مع تزايد متابعة الجهات الرقابية للمشاريع الحكومية المتأخرة والمتعثرة وإلحاح تلك الجهات لسرعة تنفيذها وإزالة معوقاتها بدأت تبرز محاولات جادة من بعض الأجهزة الحكومية لتلافي أسباب التأخير، واتخاذ إجراءات عاجلة لسحب الأعمال من المقاولين المتعثرين والعمل على تلافي المعوقات بهدف سرعة إنهاء تلك المشاريع واستلامها، إلا انه أمام تزايد حجم المشاريع المتأخرة واستمرار تلقي الجهات الحكومية لخطابات المتابعة واللوم على استمرار تأخرها وتعثرها وتصنيف بعض الجهات الرقابية لجميع حالات التعثر بأنها فساد مالي وإداري، أصبحت بعض الجهات تتجاهل أهمية تنفيذها وفق المواصفات المطلوبة وتهتم بسرعة إنهاء تلك المشاريع بهدف إغلاق بيانات المتابعة لسير العمل بعقودها والتخلص من الحجم الكبير للمشاريع المتأخرة والمتعثرة، وقد برز ذلك بوضوح في تخفيض مواصفات المواد المطلوبة بالعقود لسرعة الترسية والتعاقد في حدود المعتمد بالميزانية والتعاقد مع أجهزة إشراف ضعيفة تراخت مع المقاولين وتدنى مستوى تنفيذهم ليتم غض الطرف عن جودة التنفيذ بشكل عام لعدم توقف المقاول عن العمل!
ومع كثرة المشاريع وضعف لجان الاستلام والبدء في استخدامها تزايدت حالات الشكوى من سوء تنفيذ مشاريع ومبان حكومية، وتدن بمواصفات المواد، وهبوط وتسرب مياه..الخ ولتتم معالجة الخلل في عقود الصيانة!
ومع أهمية سرعة تنفيذ المشاريع المعتمدة وتلافي معوقاتها، إلا أن عدم التصنيف الصحيح والواقعي لحالات التأخر والتعثر للمشاريع وفق طبيعتها واتخاذ الحلول الفعالة لتجاوز تلك المعوقات بدلا من قرارات لإغلاق ملفها، دفع الكثير من الجهات إلى التعامل مع مشاريعها كعبء إداري وليست كوسائل لرفع مستوى خدماتها، ولذلك تحول التعاقد بمواصفات ضعيفة او بقبول تنفيذ المقاولين بما يخالف الشروط والمواصفات الى هدر مالي سنندم عليه بالسنوات القادمة.
وبعيدا أيضا عما نراه من مشاريع ليست لها جدوى او فائدة ملموسة في بعض المدن والمحافظات او أنها بأعلى من الاحتياج الحالي والمستقبلي، فإن الأسوأ الذي أصبحنا نراه حاليا هو تجاهل جهاتنا للتكاليف المالية المهدرة بمشاريع تنفذها أكثر من جهة حكومية وخاصة في موقع واحد، والذي يُفسر من قبل المحيطين بتلك المشاريع بسوء التنسيق والتخطيط!
والحقيقة التي لوحظت في بعض المدن والمحافظات ببعض مناطق المملكة أن الأمر ليس فقط غياب التخطيط والتنسيق بل في إصرار مسؤولي جهاتنا على الهدر المالي من خلال الطلب من مقاول الجهة سرعة تنفيذ أعمال عقده قبل السماح لمقاول الجهة الأخرى بالبدء في تنفيذ أعمال الحفر والإزالة لما تم تنفيذه قبل أسابيع!
فعندما يسعد أهالي مدينة او محافظة بمشروع رصف وإنارة وسفلتة وممر مشاة وزراعة فإنهم ينتظرون انتهاء تنفيذ المشروع ولكنهم يفاجأون أثناء أعمال التشطيب بأن هناك مقاولا آخر لجهة أخرى ينتظر انتهاء تلك الأعمال للبدء في تنفيذ مشروع تصريف سيول او مياه وصرف صحي او كهرباء او توسعة طريق وهو أمر كان معروفا مسبقا، ولكن الجهة لديها مشروع معتمد او بدئ في تنفيذه ولاترغب في إدراجه كمشروع متعثر!
وهو ما يؤكد غياب الإحساس بالمسؤولية والمال العام والحرص فقط على عدم تحول مشروع الجهة لمشروع متأخر او متعثر بسبب حاجة جهة أخرى لتنفيذ مشروعها، أي أن الاهتمام بإنهاء تنفيذ المشاريع المتعثرة قد تسبب في التخلي عن الاستغلال الأمثل لاعتمادات الميزانية على الرغم من انه يمكن للجهة تجاوز المشكلة بتعديل النطاق وتنفيذ العقد او المتبقي منه في موقع آخر داخل المدينة يستفاد منه وبحيث يتم بعد الانتهاء من أعمال الحفر والتمديد تنفيذ الاعمال المطلوبة في عقد آخر ووفق المواصفات اللازمة كمشروع لن يشوه بالحفريات كل فترة.
نقلا عن الرياض