منذ نحو أسبوعين، والحديث عن أسعار النفط لم يتوقف. بدأت النقاشات مع إعلان توصيات وتوقعات صندوق النقد للاقتصاد السعودي، بأنه قد يواجه عجزا في ميزانيته العامة في العام المقبل في حال انخفضت أسعار النفط عن 80 دولارا.
في ذلك الوقت كان النفط يتداول فوق 90 دولارا ولكنه ما لبث أن هوى فجأة لتلامس أسعاره 80 دولارا، إثر مراجعة سلبية للنمو العالمي لهذا العام.
أصيب الشارع الاقتصادي السعودي بالهلع، فسجل مؤشر تداول أكبر تراجع أسبوعي منذ العام 2009.
لسنا وحدنا القلقين بشأن هذا الانخفاض المفاجئ، في حين أن وزير البترول السعودي المهندس علي النعيمي لم يبد أي انزعاج من انخفاض الأسعار. حتى أن تأكيده أن السعودية قادرة على تحمل بقاء أسعار النفط تحت 80 دولارا لفترة طويلة.
هذه التصريحات أرسلت رسالة قوية للأسواق العالمية، فالسعودية هي المنتج المرجح الرئيسي لسوق النفط، بحيث تعمل على ضبط الأسعار وتغطية العجز في الامدادات.
استمرار انخفاض الأسعار قد يؤدي إلى إخراج شركات النفط الصخري الأمريكية من السوق، ولكن تراجع الإنتاج الأمريكي ليس في مصلحتنا على المدى الطويل، فالنفط الصخري نعمة وليس نقمة على السعودية.
بالتالي تحتفظ بهذا المورد الثمين الناضب لعقود قادمة.
على الجانب الآخر، نجد أن الحكومة الروسية قلقة ومرتابة بشدة.
فقد اتهم نائب رئيس كبرى الشركات النفطية الحكومية الروسية، السعودية علنا بالتلاعب بأسعار النفط!
فروسيا تحتاج لأن يكون سعر النفط فوق 100 دولار لتمويل نفقاتها الحكومية للعام المقبل دون عجز. وتمويل العجز سيكون مكلفا جدا تحت وطأة العقوبات.
بغض النظر عن مدى صحة هذا الاتهام، يبقى النفط أهم مورد اقتصادي للسعودية، وانخفاضه سيؤثر حتما على الاقتصاد. فإيرادات الاقتصاد السعودي ناتجة في معظمها عن النفط.
فإلى جانب النفط الخام، فإن صادرات الصناعة السعودية هي في معظمها بتروكيماوية مشتقة من النفط. وإن لم تكن بتروكيماوية، فهي تستفيد من الدعم الحكومي لأسعار المحروقات.
وبذلك تصل مساهمة النفط إلى 90% من إجمالي الإيرادات.
أما فيما يخص التأثير على الاقتصاد الداخلي للسعودية، فإنه يعمل بكثب لمواجهة تحديات داخلية ملحة، أهمها الحاجة إلى خلق المزيد من الوظائف.
هذه التحديات تحتاج إلى استقرار في الإنفاق الحكومي لمعالجتها، خصوصا مع هشاشة تعافي الاقتصاد العالمي.
فضعف نمو الطلب على النفط لا يمكن أن يعوض إلا بزيادة تنويع القاعدة الاقتصادية والقيمة المضافة الناتجة من المشتقات النفطية.
ولتحقيق ذلك، فإن على الحكومة الاستمرار في الإنفاق الاستثماري إلى أن يتمكن القطاع الخاص من القيام بهذا الدور.
ولكن هذا الإنفاق الاستثماري المطلوب مرهون بالإيرادات، فعادة ما تكون النفقات الاستثمارية أول ما يتم تقليصه في حال تراجع الإيرادات.
يمكن للحكومة الاستمرار بالإنفاق الاستثماري بنفس الوتيرة عن طريق تغطية العجز من الاحتياطيات، ولكن علينا أن نكون حذرين جدا في ذلك، وإلا ضاع النفط وأمواله سدى.
نقلا عن اليوم