أسعار أقل الآن للحصول على أسعار أفضل مستقبلاً

19/10/2014 0
د. إحسان بوحليقة

على أوبك إعادة إنتاج ذاتها إذا ما أرادت الاستمرار في التأثير على السوق النفطية العالمية؛ فما يحدث في سوق النفط هو استعادة قوى العرض والطلب للسوق المختطف من قبل تكتلات تتجاذبه؛ وكالة الطاقة الدولية من جهة وأوبك من جهة أخرى؛ وكل فريق يضع مبررات لتدخله في السوق من باب حماية مصالحه.

وليس خافياً أن مصالح المستهلكين تتعارض مع مصالح المنتجين، فأحد مشترٍ والآخر يبيع، لكن لماذا؟ ولماذا الآن؟

الإنتاج من خارج أوبك أخذ يزداد، فأصبحت قبضة أوبك رخوة في الموازنة بين المعروض من النفط الخام مع الطلب، وأقول "رخوة" لأن تشدد أوبك في تطبيق أداتها الأساس وهي حجب بعض انتاجها من الوصول للسوق سيعني فقدانها للأبد حصة من السوق بقدر ما تحجب؛ بمعنى أن أي تقليص من قبل أوبك ستتم تغطيته مباشرة من قبل المنتجين الآخرين، ولذلك رأت العديد من دول أوبك، ومنها المملكة، أن تدافع عن حصتها في السوق.

والدفاع عن الحصةِ من السوق قد يعني الدخول مع الدول من خارج أوبك في حرب أسعار، تصل لحد "كسر العظم"، بمعنى أن تتراجع الأسعار للحد المؤلم، أي ما دون نقطة التعادل المالي، مما يضطر دول أوبك للسحب من احتياطيات الخزانة أو حتى الاقتراض لتمويل العجز في موازناتها.

وبالإمكان الجدل أن التوجه للدفاع عن الحصة من السوق أقل مخاطرة من تقليص الإنتاج؛ فخفض الإنتاج سيعني التخلي عن الزبائن للطرف الآخر، وقد لا تستعيدهم أبداً باعتبار أن الاعتمادية هي أساس العلاقة، فمثلاً ليس خياراً الإخفاق في تلبية متطلبات الصين من النفط، ولا سيما أنها تعتمد في تلبية حوالي ثلث وارداتها من النفط على الخام السعودي، وهي اقتصاد ينمو بوتائر عالية وتشير التوقعات لاستمراره مستقبلاً (بأكثر من 5 بالمائة حتى العام 2020، وفوق 4 بالمائة حتى العام 2050) وسط ضعف الاقتصاد العالمي إجمالاً.

ويبدو أن التحدي الكبير أمام أوبك أن تجتمع دولها على اتخاذ منهج موحد وهو الدفاع عن حصة أوبك من الاستهلاك العالمي والنأي عن خفض انتاجها في محاولة للحفاظ على السعر العالي، فقد لا تنجح تلك المحاولات.

ولعل من الملائم استذكار التجربة المريرة التي مرت بها دول أوبك خلال الفترة بين 1980-1985 عندما انخفضت حصتها من 30 مليون برميل إلى 16 مليوناً، وتراجعت حصة المملكة من 10 ملايين برميل يومياً إلى نحو 3 ملايين برميل، وعانينا من عجز مالي اضطر الخزانة العامة للاقتراض (داخلياً) وما برحت تسدد في تلك القروض حتى الآن، فقد وصل حجم الدين العام إلى ما يوازي 100 بالمائة من الناتج المحلي الإجمالي وهو حالياً دون الخمسة بالمائة!

وحتى في حال نجاح دول أوبك في الحفاظ على أسعار مرتفعة فوق المائة دولار، فكل ما سيفعله ذلك هو تحسين الظروف للمنافسين لإنتاج المزيد من البترول الصخري، وهكذا سيكون وضع أوبك كمن يؤذي نفسه بنفسه ظاناً أنه يؤذي منافسيه!.

وبعد أن تصل أوبك إلى تحقيق معجزة الالتفاف حول استراتيجية واحدة وهي الدفاع عن حصتها من الإنتاج، عليها أخذ زمام المبادرة والسعي للاستفادة من تجربتها من ارتفاع الأسعار فوق المائة دولار بسرعة صاروخية خلال فترة وجيزة، بأن تسعى لاستهداف سعر في حدود 75 دولارا، والسبب أن أوبك إن لم تستعد المبادرة لضبط السوق، فعليها أن تَحل نفسها باعتبار أنها قد استنفدت مهمتها التي أوجدت من أجلها قبل في سبتمبر 1960.

وعلينا التذكر أن الصفحات الأكثر إيلاماً في تاريخ المنظمة كانت في النصف الأول من عقد الثمانينات، وعلى أوبك أن تعود لتلك الفترة تحديداً لاستخلاص الدروس للخروج باستراتيجية مُبَادِرة لا تقوم على النظر على رفع الأسعار ابتداء بل على قيادة السوق النفطية والتأثير فيها، وهذا لن يأتي إلا بان تعيد المنظمة لملمة صفوفها والعمل وفق استراتيجية مبادرة للتعامل مع المنتجين الجدد مفادها "ليخفضوا هم انتاجهم".

ولن يتحقق لأوبك ذلك إلا بأن تقبل بأسعار أقل الآن للحصول على أسعار أفضل وأكثر استقراراً مستقبلاً.

نقلا عن اليوم