رفاهية المواطن السعودي

12/10/2014 1
د. عبدالله بن ربيعان

أواخر العام الماضي ساد نقاش صحافي واقتصادي وشعبي في الكويت إثر حديث لرئيس الوزراء الشيخ جابر مبارك الصباح قال فيه «إن دولة الرفاه التي تعودها الكويتيون لن تستمر طويلاً».

التصريح الذي تزامن مع تقديم الشيخ جابر برنامج حكومته للسنوات الأربع المقبلة إلى البرلمان فتح نقاشاً وجدالاً وخلافاً على أعمدة الصحف وبرامج التلفزيون، والـ «هاشتاغات» على موقع «تويتر».

وفي السعودية هذا الشهر لا حديث يفوق تعليقات الناس على قول وزير الاقتصاد والتخطيط محمد الجاسر «إن المواطن السعودي ينعم بمستوى عالٍ جداً من الرفاهية مقارنة بالاقتصادات الأخرى في المنطقة ودول العالم».

ورد المغردون في «تويتر»، وكتاب اقتصاديون في الصحافة، ودللوا بأرقام البطالة والإسكان والغلاء على عدم صحة ما قاله.

وتميزت بعض الردود بالفكاهة والظرف. اقتصادياً، يجب حل النزاع حول معنى الرفاه أولاً، ومن ثم الحكم على نهايته كما أعلن رئيس الوزراء الكويتي أو وجوده و»بمستوى عال جداً» كما صرح وزير الاقتصاد والتخطيط السعودي. والمعنى لا يخرج عن ثلاثة احتمالات هي:

أولاً: الرفاه الاقتصادي economic welfare، هو السائد عادة في كتب الاقتصاد، ولا يبدو أن أياً من التصريحين قصده، فالتعريف يتضمن عوامل سياسية وأخرى تخص حقوق الإنسان لا تتوافر في كل البلدان العربية، ولذا لا يمكن أن يقال إن من النموذجين في الكويت والسعودية هي دول رفاه اقتصادي. ولا أظن أن هذا الأمر يخفى على الجاسر ذي الخلفية الاقتصادية الكبيرة علمياً وعملياً.

ثانياً: دولة الرفاه، أو ما يسمى welfare State، ومثالها دول شمال أوروبا، وتضم السويد والنرويج والدنمارك وغيرها. والمصطلح يعني أن الدولة تؤدي دوراً كبيراً في تحريك الاقتصاد، وتوظيف الناس، وإعانتهم، والتوزيع العادل لعائدات الإنتاج بينهم.

وهو الأقرب لنموذج الدول الخليجية، وإن كانت هناك اختلافات كبيرة في التطبيق بين دول المثال ودول الخليج العربي.

ثالثاً: الدولة الريعية، وتترجم عادة rentier state، وهي ترجمة سياسية أكثر منها اقتصادية، وهو المسمى الذي يطلق على دول الخليج عادة.

والاقتصاد الريعي يعتمد على عائدات مورد خام واحد، وهو الحال في كل دول الخليج. ويطلق أحياناً على دول الخليج مصطلح الدولة «الرعوية»، وهو مصطلح صحيح لا يعارض كونها دول ريعية.

فدول الخليج دول ريعية في مواردها، ورعوية في إنفاقها على مواطنيها. وبمعنى آخر، فإن هناك دولاً ريعية تعتمد إيراداتها على النفط، ولكنها ليست رعوية حيث لا تتوافر معايير الحياة الجيدة لمواطنيها. والرعوية هي ما يؤدي إلى ما يفهم شعبياً بالرفاهية الاقتصادية للمواطن على رغم أن المصطلح الاقتصادي لا يدعمه).

والأرجح أن تصريحي رئيس الوزراء الكويتي ووزير الاقتصاد والتخطيط السعودي يدوران في فلك الرعوية على رغم استخدامهما لمصطلح «الرفاه» و«الرفاهية».

والدولة الرعوية بدأت مع طفرة النفط الأولى في الخليج في سبعينات القرن الماضي، فالدولة تقدم للمواطن كل شيء تقريباً، وكان كبار السن يسموننا ونحن صغار «أبناء الحكومة»، فأنا من جيل كانت تصرف له الوجبة المدرسية وملابس وجزم الرياضة مجاناً من المدرسة، ولم يكن والدي يتكلف شراء أكثر من قلمي رصاص وثلاثة دفاتر تكفي لعام دراسي كامل.

ولكن الرعوية أو الرفاهية بهذا المعنى سرعان ما توقفت مع انخفاض أسعار النفط في أواسط الثمانينات، وأوقفت كثير من الإعانات التي تدفع للمواطن بما فيها وجبة إفطار المدرسة، وملابس وجزم الرياضة، وهي هنا للمثال لا الحصر.

وعلى رغم أن بواقي بقيت من الدولة الرعوية هنا وهناك، إلا أن الناس كانت تنتظر الدولة «النيورعوية» إن جاز التعبير، مع طفرة النفط الحالية، ولكن وبمرور ما يقارب 10 سنين على الطفرة لم تأت هذه الدولة، ولم يطبق النموذج الذي ساد خلال الطفرة الأولى.

وبالتأكيد، فلنموذج الدولة الرعوية مزايا كبيرة، كما أن عيوبه ليست قليلة، ولا يتسع المجال لسردها هنا.

وبالعودة إلى حديث وزير الاقتصاد والتخطيط حول أن «المواطن السعودي ينعم بمستوى عالٍ جداً من الرفاهية»، فلا يمكن قبوله ولا تأييده لا بالمعنى العلمي ولا الشعبي للمصطلح.

كما أن ما يعانيه المواطن حالياً من مشاكل في السكن والبطالة والغلاء أمر مشاهد ومحسوس، ولا يجوز معه الحديث عن «رفاهية» أصلاً، ناهيك عن «مستوى عال جداً» لها.

ولا يمكن حمل كلامه على معنى الرعوية، لأن نجم الدولة «النيورعوية» لم يبزغ من جديد مع طفرة النفط الحالية، ولذا لا يمكن حمل كلام وزير التخطيط والاقتصاد على معنى أكثر من كونه مجرد تصريح.

نقلا عن الحياة