ليس محل جدل أن رفع مستوى معيشة المواطن هو هدف محوري تتفرع منه أهداف، بل يمكن القول إنه هو مبرر الإنفاق المتعاظم على التنمية في المملكة.
وبالتأكيد، فإن رفع مستوى معيشة الفرد يشمل التوفير والتحسين المستمر في مستوى الخدمات التي تُوفر له، وكذلك تعني الفرص التي تتاح له لتطوير قدراته ومهاراته من تعليم وتدريب وتأهيل ومن ثم القابلية للتوظيف أو الدخول في معترك العمل الريادي (العمل لحساب نفسه)، بغية أن يكون التقدم ديدن حياته، ويومه أحسن من أمسه، على الأقل فيما يتعلق بالكدّ والدخل.
أما الحفاظ على مستوى حقيقي للدخل فيستوجب في أكثر حالاته بساطة المواءمة بين الدخل المتحقق والزيادة في مستوى الأسعار، ولذا فالحل الأمثل هو الحفاظ على استقرار في الأسعار من جانب وارتفاع في مستوى الدخل، وبذلك يتحقق الارتقاء المنشود في الدخل، لكن هذا أمر تحقيقه أصعب بكثير من الحديث عنه.
وفي حال عدم استقرار الأسعار، فهذا يعني حصول الموظف على علاوة غلاء وفقا للزيادة في مؤشر الأسعار الذي تصدره مصلحة الاحصاءات العامة والمعلومات السعودية.
ورغم أن هذا ليس محور نقاشنا هنا، ولكن ليس واضحاً لماذا لا يطبق هذا الأمر لدينا، فإن كانت الجهات الرسمية تقرّ بارتفاع مؤشر الأسعار، فهذا يعني تآكل الدخل الفعلي إن لم يُرَمم، وترميمه يأتي من خلال بدل غلاء معيشة.
واستطراداً، فالتغير السنوي في مؤشر أسعار المستهلك كان قد مكث سنوات في حالة بين حالتين: الانكماش والسُبات؛ حيث انكمش 1.1 في المائة في عام 2000، وكذلك في العام 2001، ليرتفع بنحو 0.2 في المائة في 2002، وبنحو 0.6 في 2003، وتراجع إلى 0.3 في العام 2004 وإلى 0.7 في العام 2005، ثم انطلق من عقاله ليرتفع ارتفاعا ملحوظا بنحو 2.2 في المائة في العام 2006، وبنحو 4.1 في المائة في العام 2007، 9.2 في المائة في العام 2008، ثم تراجع لنحو 6 في المائة العام 2009 و لنحو 3.7 للعام 2010، وبعد ذلك ليدخل في سبات في حدود 5 في المائة وفي تخومها صعوداً وهبوطاً.
وسبق أن قررت الحكومة الموقرة الاستمرار في صرف بدل الغلاء في سنوات مضت، ولعل من المفيد تقنين بدل غلاء المعيشة ليصبح بدلا راتبا يحدد قيمته متوسط نمو الأسعار في السنة، وبذلك يمكن جعل البدل دائما لكنه مرتبط بمؤشر الأسعار بما يبعده عن التقدير الجزافي وبما يحد من تكلفته العالية أو غير المتوقعة صعوداً، لا سيما أن أحد مرتكزات الإنفاق والتنمية تتمحور حول الارتقاء بمعيشة الفرد، وتحقيقاً لذلك يضاف بدل غلاء المعيشة بداية كل عام منعاً لتآكل الدخل، فكما ندرك جميعا فالغلاء -في حال حدوثه- ينخر قدرة الفرد على الإنفاق ويؤدي لتراجع مستوى معيشته، وهذا ما لا ترمي إليه كل الجهود بل وعليها الاستماتة لتفاديه.
وبالقطع، فـ «ترميم» الدخل ليس مطلباً بل ضرورة، أما المطلب فهو التمعن في كيف تتجه المستويات العالية وغير المسبوقة من الانفاق الحكومي لتترجم إنعاشاً ورفاهاً للمواطن.
وهذا أمر يتطلب تتبع التغييرات الاجتماعية-الاقتصادية ليس من خلال مسوحات إعداد الحسابات القومية، بل من خلال رصد للأحوال المعيشية عن كثب في الهجر والقرى والبلدات والمدن، وليس قصد الرصد تتبع الفقر بل تتبع التغير في مستوى المعيشة صعوداً وهبوطاً أو ثباتاً، ونشر المؤشرات الدالة وذات الصلة، واتخاذ الإجراءات الضرورية لترميم أي هبوط وتعزيز أي صعود، فالرصد التفصيلي سيتيح معلومات تفصيلية غير مجملة عن مساهمة المواطنين في الأنشطة الاقتصادية على تنوعها بما في ذلك مؤشرات للتبدل في مستوى الدخل، وبما يساعد لتعديل سياسات قائمة أو التدخل باستحداث سياسات جديدة تساهم في تعظيم فرص استفادة المواطن من فرص التوظيف والاستثمار المتاحة، بل والربط بينها وبين الانفاق الحكومي، ولعلنا نستفيد من تجارب الماضي؛ ففي بدايات صناعة استخراج النفط، استقطب ذلك النشاط المواطنين من المناطق المحيطة وبعد ذلك من المناطق الأبعد، وبذلك منحت الفرصة لأكبر عدد من المواطنين ليحصلوا على فرص متميزة لتحسين دخلهم والارتقاء بمعارفهم وخبرتهم.
وتكررت التجربة بعد ذلك إبان الطفرات الاقتصادية التي مرّت بها المملكة والتي أدت إجمالاً إلى استقطاب المواطنين لفرص العمل في محور شرق-غرب.
الآن، من المفيد السعي لاستقطاب المواطنين استقطاباً مدروساً للمناطق الجغرافية وللأنشطة الاقتصادية عالية النمو؛ وتحديداً فمنطقة مثل جازان تشهد زخماً استثمارياً يعني فرص استثمار وريادة وفرص عمل، فلا يجوز أن تمرّ هذه من بين أصابع اقتصادنا المحلي دون تعظيم الفائدة منها بتوفير أكبر قدر من مستلزمات الإنتاج لها مما هو متوفر محلياً، ولاسيما العنصر البشري، أما أن ننظر لكل منطقة على حدة ونقرر أن الموارد المحلية ليست متاحة فيها فهذا ليس الأسلوب الذي أثبتت تجاربنا منذ تأسيس المملكة حتى الآن على جدواه، إذ أن الانتقال إلى حيث البؤر الواعدة كان ديدنا ويجب الحفاظ عليه، وهذا يتطلب وضع سياسات تؤدي لتحقيق ذلك، وإلا سنستمر فيما نعايشه الآن؛ مراكز متخمة ومكتظة وأخرى جافة وخاوية.
ثم أن وضع مثل هذه السياسات يخدم هدفين في آنٍ معاً: تحسين مستوى دخل الفرد من جهة وتحقيق التنمية المتوازنة من ناحية أخرى.
نقلا عن اليوم
هاشتاق الراتب مايكفي حاجة اشترك فيه المواطنون جميعا على اختلاف مستوياتهم ولم يتم زيادة المرتبات ويبدو ان تكلفة الحرب وانخفاض سعر النفط والهبات الخارجية ستجعل الامراصعب واسوأ