النفط والأراضي وسوق الأسهم

21/09/2014 6
د. إحسان بوحليقة

تتمعن قليلاً وتجد أن هذا الثلاثي يحرك ويهز اقتصادنا السعودي، أما بقية الأمور فتأثيرها هامشي في أحسن الأحوال كما كريمة الزينة على قرص الكيك؛ إن حصلت فتزيد الكيك حلا، وإلا فالكيك هو الأساس!

ولذا تجد من حبس أنفاسه خلال الأسابيع الماضية ولا يزال وهو يرى سعر النفط «يتدربى» (يتراجع) منذ بداية النصف الثاني للعام الحالي (2014)، فيما تكاثرت المقالات والتكهنات عن دور أوبك للحد من ذلك التراجع بل وحتى قدرتها على منعه وسط عنفوان انتاج الزيت الصخري، وبعد ذلك طرح أسئلة من نوع: ما التأثيرات المتوقعة على اقتصاديات الدول النفطية وقدرة حكوماتها على الانفاق؟

وبصورة محددة أكثر: كيف سيكون مستوى الانفاق في الميزانية العامة القادمة للمملكة؟ هل ستستمر الوتيرة التصاعدية للإنفاق العام أم ستثبت على ما أعلن للعام المالي الحالي 2014 (855 مليار ريال)، بمعنى أن الانفاق للعام 2015 لن يتجاوز 855؟ أم أن الانفاق سيتقلص، باعتبار أن أي تراجع لسعر برميل عن 100 دولار سيعني ضغوطا على الاحتياطيات!

وكما هو معروف فإن إنفاق الحكومة في بلدنا يمثل قاطرة النمو الاقتصادي، بل يمكن بيان أن نحو ثلثي النمو في الناتج المحلي الإجمالي، على أقل تقدير، يمكن رده لتأثير الانفاق العام، لاسيما أن جزءا مهما من الطلب على السلع والخدمات التي ينتجها القطاع الخاص مصدرها (أو ممولها) الانفاق الحكومي، الذي مصدره -بصورة أساس- النفط. إذاً السؤال: ما تأثير تقليص الانفاق الحكومي على النمو (التوسع) الاقتصادي، بما في ذلك توليد وظائف جديدة للداخلين الجدد من المواطنين والمواطنات؟

وما تأثيره على منشآت القطاع الخاص الناشئة ومتناهية الصغرّ والصغيرة وكذلك على الرياديين؟

طبعاً، الكل سيخمن فليس معروف توجه بوصلة الانفاق الحكومي، حتى من حيث الحجم، في العام القادم 2015.

لكن هناك ناحية أخرى لا تقل أهمية تتصل مباشرة بالإنفاق الحكومي وخصوصاً الرأسمالي، على مشاريع التنمية بغية مواصلة برنامجها وتحقيق التنمية المتوازنة في جنبات المملكة. والنقطة هنا: ان التنمية في بلدنا لم تحقق التوازن بعد ولذا ليس أمامها إلا خيار واحد وهو أن تستمر.

واستطراداً، فلا يتصور أن تتأثر المشاريع التنموية في المناطق الإدارية المستهدفة بالتوازن التنموي مثل جازان والمناطق الشمالية، على سبيل المثال، كما أن مشاريع البنية التحتية سيتواصل الانفاق عليها باعتبار أنها هي متطلب لزيادة سعة الاقتصاد السعودي بما يمكنه من النمو.

أما الأمر الثالث الذي يوجب استمرار الانفاق فهو المشاريع المتأخرة والمتعثرة؛ فهذه فيعاود الانفاق عليها تباعاً مع زوال أسباب تأخرها وتعثرها. وهكذا، فعند أخذ العناصر الثلاثة مجتمعة، فسنخرج بأن الانفاق فعلياً لن يتراجع بأي قدر ملحوظ، مما يدفع للقول ان أفق نمو الاقتصاد السعودي إيجابية للعام القادم (2015)، سواء ارتفع النفط أو انخفض.

أما ما يلف المشهد الاقتصادي محلياً بالضبابية فليس تراجع سعر النفط، فذلك شأن الخزانة العامة، بل أسعار الأراضي؛ هل سترتفع أم تهبط؟ والعامل المستجد هو احتمال فرض رسوم على الأراضي البيضاء، والتجارة في الأراضي الخام والمرخصة نشاط معتبر تقليدياً، بل أن امتلاك الأرض وحبسها هو أحد أفضل الخيارات لتنمية الثروة على مدى عقود في بلدٍ نما بوتائر «متأججة» على مدى عقود، فما كانت قرى قبل عقود توسعت رقعتها وأصبحت بلدات، وما كانت بلدات صغيرة أصبحت مدنناً، وما كانت مدنناً أصبحت مدناً هائلة المساحة مليونية السكان!

وفي ذلك الخضم تصاعدت أسعار الأراضي، وليس مستغرباً أن يحقق ربحاً يتجاوز ألف ضعف مَن استثمر في الأراضي وتمتع بنفس طويل، فثمة مخططات كان سعر المتر المربع فيها ريالا واحدا وارتفع تدريجياً ليصل إلى ألف ريال أو حتى أضعاف ذلك، وهذه ليست حالة خاصة بل عامة في أنحاء المملكة. ماذا يعني هذا؟

يعني أن من يريد أن يشتري حالياً سيعاني، في حين أن من يملك الأرض يدرك تماماً ان قيمتها ترتفع مع مرور الوقت، وعليه فخيارات المالك واضحة: إما الحصول على سعر مجزٍ أو تركها وستباع بسعر أفضل.

وهكذا، فليس من حل أمام مدننا الكبيرة المتخمة بالأراضي السكنية البيضاء إلا أن تدفع بتلك الأراضي للتطوير العقاري، ولن يحصل هذا الأمر إلا بإيجاد دافع قوي يمنع المالك من «الجلوس» على الأرض.

بل يمكن الجزم أن عدم الابطاء -أكثر- في فرض رسوم سيزيل جزءاً مهماً من الضبابية في أسواق تجارة الأراضي والتطوير العقاري على حدٍ سواء، بما يجعل حلم الشباب في امتلاك منزل أقرب منالاً، باعتبار أن وضوح المشهد سيشجع المطورين العقاريين على الانطلاق من أرضية صلبة فيما يتصل بأسعار الأراضي، أما حالياً فالضبابية تجعل الجميع ينتظر. وهكذا، فلعل من الملائم اقتراح أن يبت هذا الأمر خلال الأسابيع القليلة القادمة مع اعتدال الجو وزيادة زخم التعمير والبناء.

وما دخل سوق الأسهم؟ تقليدياً، تلعب دور الملاذ من رمضاء الأراضي، والعكس بالعكس، لكن الضبابية تلف هذه كذلك، فثمة تجاذب بين سيناريوهين: التخوف من ارتفاع الأسعار وحدوث فقاعة أو تحقيق مكاسب ضخمة نتيجة للدخول المنتظر للمستثمرين الأجانب، وعليه فأصبح المتأملون لوضع سوقنا بين حانا ومانا.

ما الذي علينا فعله؟ إزالة الضبابية: توجهات الانفاق، وحسم فرض رسوم على الأراضي البيضاء داخل المدن، وإنجاز ضوابط دخول المستثمرين الأجانب لسوق الأسهم.

نقلا عن اليوم