لم أكن أتوقع أن معزوفة عزوف الشباب عن العمل (أو عشق البطالة كما تسمى مؤخراً) أصبحت ليس فقط مجرد معزوفة تعشعش في عقول بعض أعضاء مجلس الشورى بل أخذت تنتشر عدواها كالوباء إلى ان بلغت سطوتها ان تغزو وتحتل عقول بعض المفكرين والكتاب لدينا.
في مقال بعنوان: «عشق البطالة مع توفر فرص العمل» لكاتب من أكثر كتابنا احتراما واتزانا وسمعة بل هو بالنسبة لي (وأقولها صادقا) انه يأتي على قمة قائمة أكثر عشرة كتاب لدينا لهم تقدير وإعزاز في نفسي وربما في نفوس كثير من الذوّاقة من القراء.
يحكي لنا الكاتب القدير حكاية خرافية عن عشق المبتعثين للبطالة أشبه ما تكون بحكاية معروف الإسكافي وزوجته فاطمة العرّة (خاتمة قصص ألف ليلة وليلة) كمقدمة. ثم ينتقل بنا فجأة الى الواقع الدعائي المرير الذي اعتاد أن يروج له الذين يعتقدون – خطأ – أن مصالحم تتعارض مع توطين العمالة وأن تعطيل الشباب هو مكسب لهم للحصول على عمالة شبه مجانية فيشيعون ان الوظائف من كثرتها على قفا مين يشيل لكن الشباب يعشقون البطالة أكثر من عشق مجنون ليلى لليلى العامرية.
يقول كاتبنا المخضرم ذو الباع الطويل بعد أن – للأسف – غرّر (بضم الغين) به بالنص مايلي: «رغم توفر أكثر من عشرين ألف وظيفة للسائقين والفنيين بميزات عدة من أبرزها السماح لموظفي القطاعات الحكومية من المرتبة الخامسة فما دون بالالتحاق بها ومنحهم إجازة رسمية من جهات أعمالهم إلا أن العزوف لا زال مستمرا حيث لم يتقدم خلال الفترة الماضية سوى 114 شابا».
أين هي المزايا العدة – أطال الله عمرك – يا أستاذنا الكبير؟ ما حسبته أنت مزايا هي مجرد تنازلات من الحكومة كتنازلات نصف الراتب من صندوق الموارد البشرية. هذه ليست مزايا للعاملين هذه إعانات لأصحاب العمل بتحميل الدولة جزءا من التكاليف. لماذا لم تسأل عن الأجر في الساعة (نعم الساعة) وهل يتناسب الأجر مع مشقة وخطورة العمل؟ وهل مطلوب منهم ان يرابطوا 24 ساعة كأنهم في حالة استنفار دائم كنفرة الحجاج يوم النفرة؟ وهل ترضى لهم أن يقبلوا العمل بأجور منافسة لأجور يادوب تسد رمق عوائل عمال السخرة القادمين اضطرارا بحثا عن لقمة العيش من أفقر بلاد العالم.
لقد بلغت إشاعة إلصاق صفة العزوف عن العمل بالشباب من الخطورة الى حد أنها أصبحت كالقيد الوهمي يكبّل الأيدي العاملة الوطنية تماما كقصة الأفيال في حديقة الحيوانات (لعل البعض منكم يعرفها) التي كانت لا تتحرك من مكانها الا ببطء شديد كأنها مقيدة بسلاسل ثقيلة رغم انه لم يكن يوجد الا حبل رقيق في قدميها الأماميتين فأستغرب الناس وسألوا مدرب الأفيال لماذا لا تحاول هذه الأفيال الهرب رغم انها تستطيع ذلك فأجابهم المدرب عندما كانت هذه الأفيال حديثة الولادة كنا نقيدها بمثل هذه الحبال الواهية لصغر سنها وعندما كبرت الآن لا زالت تتوهم انها لا تستطيع فك قيودها.
يا كتابنا الأفاضل إما ان تقولوا خيرا وإلا فاصمتوا ولا تكونوا كمخالب القطط لتدمير زهرة شباب البلد وإيهامهم بأنهم يعشقون (والأذن تعشق بالسماع) العطالة.
السطر الأخير (نقلته بتصرف من السطر الأخير لمقال كاتبنا الكبير): احرز معلوماتك أولا ثم اكتب صادقا هذا الطريق الأسلم.
نقلا عن الرياض
كل يغني على ليلاه يا دكنور أنور