كشفت التأثيرات السلبية المختلفة للأزمة المالية العالمية وما تبعها من أزمات سياسية ومالية ومصرفية واقتصادية محلية وإقليمية وعالمية فشل العديد من الشركات المساهمة العامة في المنطقة نتيجة عدم تمتعها بالمهنية والخبرة والصدقية وعدم التفاتها إلى الأخطار المختلفة التي تواجه الشركات المساهمة، خصوصاً في الظروف الاستثنائية، وفي مقدمها أخطار الائتمان وأخطار السوق وأخطار العمليات وأخطار السيولة.
يترافق ذلك مع ضعف التحكم المؤسسي وهيمنة رؤساء مجالس الإدارات وبعض أعضاء مجالس الإدارة المقربين منهم في كثير من الشركات على القرارات الإستراتيجية، وعدم التزامهم أحياناً كثيرة قوانين الحوكمة التي تهدف إلى حماية حقوق المساهمين وتعزيز مبادئ الشفافية والإفصاح، ناهيك عن عدم الأخذ في الاعتبار الدور المهم الذي تلعبه الشركات المساهمة العامة اقتصادياً ومالياً واستثمارياً واجتماعياً.
وأدى ضعف المهنية والخبرة والكفاءة إلى عدم مبادرة الإدارات التنفيذية ومجالس إدارات هذه الشركات إلى تغيير استراتيجياتها أو تعديلها مع تغير الظروف بينما بادرت الإدارات الكفوءة مع بداية التأثيرات السلبية للأزمة العالمية وموجة «الربيع العربي» إلى تغيير خططها ومشاريعها وتوسعاتها وتعديلها وتسييل بعض أصولها لتوفير السيولة اللازمة وتعزيز رأس المال العامل في ظل توقعات بتشدد المصارف في منح القروض بعد التراجع الكبير في قيم الأصول وفي مقدمها العقارات والأسهم، إضافة إلى التأثيرات السلبية للتباطؤ الذي شهده العديد من القطاعات الاقتصادية.
وظهرت مؤشرات التعثر المالي على العديد من الشركات نتيجة صعوبة تسديد هذه الشركات التزاماتها وديونها في مواعيدها المستحقة على رغم ان قيم موجوداتها وأصولها تتجاوز قيم ديونها، بينما ظهرت مؤشرات إفلاس شركات عندما عجزت هذه عن مواجهة التزاماتها وقلّت قيم أصولها عن قيم مطلوباتها. وعندما لا تستطيع إيرادات الشركة تغطية نفقاتها تعتبر متعثرة اقتصادياً.
لذلك ضروري إعطاء الأولوية للإسراع بإصدار قوانين تنظم الإفلاس والتصفية في دول المنطقة تتعلق بالتعثر التجاري لمنح الحماية للشركات الواعدة لإعادة تنظيم أعمالها، سواء الإدارية أو المالية أو التشغيلية، ومعالجه المشكلات التي قد تتعرض لها الشركات المساهمة الكبيرة، فيُحَد من الفوضى التي تنجم عن تنافس الدائنين على الاستحواذ على أموال الشركات المتعثرة، ويُعاد ترتيب أولويات الديون حماية لحقوق الدائنين فتُضمن أعلى نسبة استرداد، ويُعاد تأهيل الأعمال القابلة للاستمرار وتُصفى الأعمال غير القابلة للاستمرار.
وإذ تعاني شركات من نقص في التمويل لكن مشاريعها ذات جدوى اقتصادية وقيمة مضافة، يساعد قانون الإفلاس هذه الشركات على الاستمرار وتسديد التزاماتها بدلاً من تحويلها إلى التصفية الإجبارية بمجرد بلوغ خسائرها 75 في المئة من رأس مالها أو اللجوء إلى تصفيتها إذا اقتضى الأمر في شكل سريع لضمان حقوق الدائنين والمساهمين والعاملين وحماية الاقتصاد الوطني، علماً بأن قوانين الإفلاس والتصفية تساهم في تخفيف الإجراءات القضائية الخاصة بالإفلاس والتصفية بأسرع وقت في ظل توحيد الإجراءات المطبقة.
وثمة أهمية لتوافق هذه القوانين مع أفضل الممارسات العالمية والموازنة بين حماية الدائنين وضمان استمرار عمل الشركات مع أهميه قيام الشركات المتعثرة بإعادة ترتيب أمورها قبل الإسراع إلى محاكم الإفلاس. ويساهم صدور قانون الإفلاس والتصفية في تحسين التصنيف العالمي للاقتصاد في مجال التنافسية وفي الحفاظ على نشاط القطاع المالي نتيجة الحلول التي يوفرها للمدينين الذين يواجهون حالة إعسار أو يقتربون من حالة الإفلاس.
ولهذه القوانين دور في تعزيز ثقة المصارف في السوق المحلية وفي نمو القروض المقدمة إلى القطاعات الاقتصادية المختلفة.
وتشير تقارير إلى مساهمة قوانين الإفلاس والإعسار التي أصدرها بعض الدول في حفز جميع المشاركين في العملية الاقتصادية وزيادة الإنتاجية في ظل مناخ استثماري يتسم بالشفافية والحوكمة والعدالة في ما يتعلق بالتعامل مع الشركات المتعثرة.
نقلا عن الحياة