لا شك أن الريال ارتبط بالدولار ارتباطاً متيناً، وقد لا يكون هناك مخرج سهل طالما أن المملكة العربية السعودية تعمل بنفس منهجية الأعمال في سياستها التجارية مع الدول الأخرى، بل ربما أن الوضع أصعب في تطبيق «سلة عملات» أو حتى إبقاء الريال مرتبطاً بالدولار وتغيير سعر الصرف.
قبل البدء في التغيير، يجب أن نعلم أن كثيراً من الدول غيّرت في سياسة عملاتها، وقد لا تجد قصص نجاح لأي من تلك الدول.. تلك الدول التي فشلت في التغيير عملت ما نفكر بعمله الآن، وهو أننا نعتقد أن التغيير سيكون أفضل طالما أن قيمة الدولار تضعف.
حجم التداول الخارجي لسلع المملكة قرابة تريليوني ريال (صادرات وواردات)، وأكثر من 70 في المئة من هذا الحجم متعلق بالنفط ومشتقاته وبتروكيماوياته، ويجب أن نعلم أن النفط ليس له تسعيرة بغير عملة الدولار في جميع القارات، وبما أن تداول النفط مرتبط بـ «مخاوف» نقص أو فوائض في الإمدادات، فإن هذا يرفع من قيمته الحقيقية المبنية على «العرض والطلب» بحوالي 25% إلى 30%، وعادة ما يكون التحفظ أكثر من المخاطرة، وهذا من صالح الدول المصدّرة.
أما الـ 30 % المتبقية من قيمة «حجم التداول الخارجي» فغالبيتها، إما من الولايات المتحدة الأمريكية، أو من دول مرتبطة بالدولار، أو من دول تعتمد سعر الدولار للصرف.. ومن هنا نستنتج أنه يجب التحرر ولو جزئياً من تبادل السلع «الدولارية»، وهذا ليس فقط خياراً لاستيراد من دولة ما، بل زيادة في الصادرات لدول لا تعتمد الدولار كخيار أول، ويجب أن يكون حجم الصادرات عالياً.
بالنسبة للتبادل التجاري للسلع، يجب أن نصدّر سلعاً غير نفطية بعد النجاح في التنافسية أي أن ننجح في منافسة دول تصدر لتلك الدول المستهدفة، قد لا تكون هذه دغدغة للمشاعر وأحلاماً، بل بها نسبة من الصعوبات.
ولكن، على نفس النهج، يجب أن نحاول الاكتفاء الذاتي ونستبدل «حلم» تنويع الصادرات بتقليل الواردات لنخفف حجم الاعتماد على الدولار كخطوة أولى.
وعلى نطاق آخر، علينا استرجاع كثير من احتياطاتنا النقدية المستثمرة في الخارج والتي تعتمد على سعر صرف الدولار وقيمته، واستثمارها محلياً في مشاريع تساهم في الاكتفاء الذاتي وخفض الواردات وإيجاد الفرص الوظيفية للمواطن المحرك الأولي للاقتصاد المحلي.. إبقاء الاحتياطات النقدية في الخارج يزيد من العبء على مدى ارتباط الريال بالدولار ويصعّب من تغيير سعر الصرف، حيث إن المملكة ستخسر الكثير من قيمة الاحتياطات النقدية فيما لو تم تحسين سعر الصرف، فمثلاً حجم الاستثمارات الآن 2.7 تريليون ريال، ولو تم تغيير سعر صرف الريال من 3.75 للدولار إلى 3 (مثلاً) ستنخفض قيمة الاحتياطات إلى 2.16 تريليون ريال.
كنت قد كتبت مقالاً سابقاً بارتباط الريال بالدولار، وتطرقت إلى تفاصيل أكثر توضح صعوبة فك الارتباط كلياً وتعويم الريال، وصعوبة التحول إلى سلة عملات، وصعوبة الارتباط بعملة أخرى بديلة، وصعوبة تغيير سعر صرف الريال للدولار، وصعوبة أيضاً العملة الخليجية الموحدة.. ومع تحفظي على كثير من السياسة المالية إلا أنني أتفق كلياً معها في إبقاء الريال مرتبطاً بالدولار كما هو عليه الآن، ما لم نطوّر من أعمالنا وتجارتنا الخارجية.
أخيراً، لتحريك المياه الراكدة وتناول الخيارات بنفس الشأن، علينا بالأول تطوير الصناعات وتنويعها وخفض حجم الواردات، علينا التفكير في تطوير وتنويع الصادرات أيضاً.. هناك أمر آخر وهو تغيير سياسة الاستثمارات النقدية الخارجية، ولم نتطرق لها بالتفصيل في هذا المقال.
نقلا عن الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع