شهدت صناعة التكرير العالمية تغيرات ملحوظة في السنوات الخمس الاخيرة؛ لمواكبة انخفاض الطلب على المشتقات البترولية في بعض الاماكن بالعالم وارتفاع انتاج الزيت غير التقليدي (صخري ورملي) في امريكا الشمالية.
وبينما تزدهر صناعة التكرير في دول معينة، تعاني في اماكن اخرى، فالحال قاتم في اوروبا واليابان بسبب ارتفاع اسعار النفط وانخفاض الطلب على المشتقات النفطية في هذه البلدان، ولكن الوضع مزدهر بالصين والشرق الاوسط والتي يتوقع أن تزيد دوله من قدرتها التكريرية الى 10،5 مليون برميل باليوم بحلول عام 2018م، وبلا شك ستقود المملكة صناعة تكرير النفط، حيث سترتفع قدرتها التكريرية قريباً الى حوالي 3،6 مليون برميل باليوم وهي بذلك تكون رابع اكبر قدرة تكريرية بالعالم بعد الولايات المتحدة والصين واليابان، وقد تتقدم الى المرتبة الثالثة لتحل محل اليابان مع ازدياد متاعب صناعة التكرير هناك، وأما الصين فسوف ترفع قدرتها التكريرية من 13،4 مليون برميل باليوم الى 17،7 مليون برميل باليوم بحلول 2018م، وبذلك تصبح اسيا بقيادة المملكة والصين والهند مركز صناعة التكرير في العقد القادم.
ولكن تبقى ثورة انتاج الزيت الصخري في امريكا الشمالية من اهم ما يؤثر على صناعة التكرير، ولان هذه الزيوت غير التقليدية ذات طبيعة خفيفة ولا تحتوي على نسب عالية من الكبريت، فتختلف عمليات تكريرها بشكل جذري عن عمليات تكرير نفوط الخليج العربي او النفط الفنزويلي التي تعتبر مقارنة بالنفط الصخري ثقيلة نوعا ما، وتمتلك بعض دول الاوبك كالمملكة وفنزويلا حصصاً في مصافي بمختلف انحاء العالم بالشراكة مع الشركات البترولية الكبرى كشركة اكسون وشل وغيرهما، ويعود السبب الرئيس لاستثمار هذه الدول في صناعة التكرير بأمريكا والصين هو حرصها على ايجاد زبائن دائمين لنفطها، فتقوم بتصميم هذه المصافي لتعالج وتكرر نفطها ومن هنا يتم شحن النفط الفنزويلي او السعودي الى الولايات المتحدة لكي يكرر في مصاف معينة، ولقد استوردت امريكا في عام 2005م حوالي 12،6 مليون برميل باليوم معظمها من دول اوبك وهي من النفوط الثقيلة والتي تحتاج الى تكرير ومعالجة بطريقة اكثر تعقيداً ليتم تحقيق ربح مناسب لشركات التكرير، ولقد انخفض استيراد امريكا للنفط في عام 2012م الى 7،5 مليون برميل باليوم بسبب ارتفاع انتاجها المحلي من الزيت الصخري الخفيف، وحالياً يبلغ اجمالي استيراد امريكا للنفط حوالي 5،3 مليون برميل باليوم منها 2،6 مليون برميل من جارتها كندا وحوالي 1،2 من المملكة (انخفض الاستيراد من المملكة بحوالى 300 الف برميل باليوم في ستة اشهر) وحوالي 0،7 من فنزويلا و0،7 مليون برميل باليوم من العراق والكويت، هذا الهبوط الكبير باستيراد النفط الثقيل من الخارج والارتفاع الكبير في إنتاج النفوط الامريكية الخفيفة ادى الى تغييرات كبيرة في صناعة التكرير بأمريكا، ولقد قامت الشركات الامريكية الكبرى بتغيير تصاميم مصافيها لتستطيع تكرير النفط المحلي الخفيف والرخيص الذي يباع بأقل من النفط المستورد بحوالي 10-20 دولاراً للبرميل، وقد أوجد هذا شعوراً حقيقياً للمصافي المحلية الامريكية بأهمية التطور واللحاق بالركب حتى تستطيع ان تكسب المال في صناعة هي في الاصل من الصناعات الصعبة قليلة الربح وكثيرة المتاعب، ولكن يبقى مجال تصدير الديزل والبنزين الامريكي الى اوروبا واسيا اهم حافز لانتعاش صناعة التكرير فيها.
ونظراً لتغير المشهد في صناعة التكرير بامريكا بسبب زيادة انتاج الزيت الصخري الخفيف، تخطط فنزويلا لبيع مصافيها في الولايات المتحدة والتي تديرها شركة "سيتجو" المملوكة لشركة النفط الفنزويلية، وذلك بسبب الازمة الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وصرح وزير النفط الفنزويلي ان حكومته ترغب ببيع سيتجو إن وجدت الزبون المناسب، وقال السيد راميليس: إننا لن نبيع سيتجو بأقل من 10 مليارات دولار، وتملك سيتجو التي تتخذ من هيوستن مقراً رئيساً ثلاث مصاف بأمريكا بقدرة تكرير 740 الف برميل باليوم، كما تملك 6000 محطة لتوزيع وقود السيارات، ويبلغ صافي دخل سيتجو حوالي 1،5 بليون دولار سنوياً، والجدير بالذكر ان الولايات المتحدة استوردت في عام 2013م معدل 790 الف برميل باليوم من فنزويلا، وهذا يدل على ان معظم النفط الفنزويلي القادم الى امريكا يكرر بمصافي شركة سيتجو، وقد انخفض معدل استيراد امريكا للنفط الفنزويلي بحوالي 400 ألف برميل باليوم من عام 2008م قبل ثورة الزيت الصخري، وفي نفس السياق، استوردت امريكا في عام 2013م ما معدله 1،3 مليون برميل باليوم من المملكة ليتم تكريره بالمصافي التي تمتلك ارامكو السعودية حصة فيها،
والجدير بالذكر ان مصافي فنزويلا في الولايات المتحدة تم تصميمها لتكرير النفط الفنزويلي الثقيل؛ ولذلك نجد ان مصافيها تتميز بعمليات التكسير سواء الهيدروجيني او الحفزي او عمليات التكسير الاخرى من تحويل المشتقات الثقيلة الى مشتقات خفيفة ومتوسطة مثل البنزين والديزل والكيروسين، ولكن وفي نفس الوقت نجد ان السوق الامريكية مشبعة بالنفط الخفيف الذي لا يحتاج الى كل هذه العمليات التكريرية المعقدة والمكلفة، ولذلك تحاول شركات التكرير بالولايات المتحدة الاستفادة من انخفاض اسعاره الحالية، حيث يتداول في شهر سبتمبر الحالي بحوالي 90 دولاراً للبرميل، وعادة ما يكون تصميم المصافي المخصصة لمعالجة النفط الخفيف الذي يحتوي على كميات قليلة من الكبريت والنيتروجين اسهل ويكون تشييدها وبناؤها ارخص بمراحل من المصافي المخصصة لتكرير النفط الثقيل الغني بالكبريت وبالكثير من المعادن الضارة، ولذلك يشك المراقبون من وجود شركات تكرير ترغب بدفع اموال كبيرة لشراء المصافي الفنزويلية خصوصاً في هذه المرحلة الزمنية، ولكن تبقى مصفاة ليمونت التي تملكها سيتجو والقادرة على تكرير النفط الخفيف غير الفنزويلي هدفاً مرغوباً لشركات التكرير ولا سيما قربها من منافذ النفط الكندي بالاسعار المعتدلة.
وفي ظل انخفاض الطلب الامريكي على النفط الفنزويلي ورغبة كاراكاس ببيع شركة سيتجو، ظهرت الصين مؤخراً الى الواجهة لتصبح اكبر مستورد للنفط الفنزويلي بدل الولايات المتحدة، حيث تستورد حالياً نصف مليون برميل باليوم، وهذا ما يجعل الصين المرشح الاول لشراء سيتجو اذا اخذت الموافقات اللازمة لهذا الاستحواذ من الحكومة الامريكية، ولاسيما ان الصين متحفزة للاستثمار في حقل الطاقة الامريكي (خاصة بعد دخولها القوي في قطاع الزيت والغاز الصخري الامريكي)، وحالياً تشهد العلاقات بين الصين وفنزويلا افضل الحالات وخاصة ان فنزويلا مدانة للصين بعشرين مليار دولار، كما ان الصين مصدر مهم للمال لفنزويلا، الأكيد ان سينوبك وبتروتشاينا يفكران بجدية بهذه الصفقة ولاسيما ان فنزويلا تمتلك احتياطيات هائلة من النفط الثقيل جداً اللقيم المناسب لهذه المصافي تقارب 298 مليار برميل بحسب ادارة معلومات الطاقة الامريكية وتقارير شركة بريتش بتروليوم الاحصائية، وفي حال رفعت فنزويلا من انتاجها للنفط يبقى وجود هذه المصافي مركزاً مهماً لتكرير بعض ما تصدره فنزويلا من النفط ومن ثم تصديره للاسواق العالمية ان لم تعد امريكا بحاجة له.
نقلا عن اليوم