البعض (الحمد لله القلة) فهموا موضوع توطين عمال النظافة على أنه دعوة لتوطين الوظائف الدنيا وإهمال توطين الوظائف العليا، وهذا بالتأكيد فهم خاطئ لأن الهدف الأساس هو قطع رأس الحيّة (عقدة العيب وثقافة أولاد الحمايل لا يعملون بأيديهم).
لذا فإن مجرد إقبال الشباب على الوظائف الدنيا دليل قاطع على أنهم سيكونون أكثر إقبالا على الوظائف العليا فتنتفي حجة عزوف الشباب ويتأكد لنا عزوف رجال الأعمال.
لا يوجد حمايل (ذوي الحسب والنسب) أكثر حمولة من الأنبياء، ورغم ذلك ما من نبي إلّا وكانت له حرفة يمارسها بيديه (سمي ما شئت من الحرف) وأوّلهم قدوتنا سيّد البشر عليه الصلاة والسلام فقد كان يرعى الغنم على قراريط لأهل مكة ثم أجيرا عند امرأة من قريش.
الموضوع -يا إخوان- الذي نحن بصدده هو موضوع نكون (أي نعيش) أو لا نكون (أي نموت) فلا يوجد بلد في العالم بطول وعرض الكرة الأرضية الذي تنتهج فيه وزارة العمل ما تسميه سياسة إصلاح وتوطين سوق العمل عن طريق إصدار عشرة تأشيرات للاستقدام من الخارج كطعم لتوظيف مواطنا واحد مؤقت (وأحيانا وهمي) ثم تزعم أنها نجحت في تخفيض نسبة البطالة.
إن فتح الأبواب مشرعة للاستقدام بالطريقة التي نستعملها الآن وترك أبناء الوطن عاطلين بدون أعمال يقتاتون على فتات ما تجود به وزارة العمل والضمان الاجتماعي كالمعوقين بينما يقوم الأجانب بشتى أنواع الأعمال في البلد، مستحيل أن يدوم بمجرد حدوث عجز في إيرادات الحكومة.
نعود لعنوان الموضوع وهو من قريحة حبيبنا زهران (جعل الله كل أيامه وأيامكم زهور) فهو يعلق على مقال زاوية الأحد 17 أغسطس 2014 قائلا: "الله أكبر مواطنين وعمال نظافة.. مين راح يزوجهم؟ شفلك غيرها يا دكتور أنور.. حنا قبايل". أخي زهران إذا كنت عازبا (أو ترغب التعدد) وكل ما يشغل بالك هو الزواج لا تشيل هم فالمزوّج في السماء ولن أقول لك إن "لكل شرايّ بضاعة وسوقي".
أولاد الحمايل لا يرضون لأنفسهم أن يعيشوا على ذل ومرمطة فتات حافز وإخوانه وهم في عز شبابهم قادرين على العمل الشريف إذا أتيحت لهم الفرصة للعمل في مهنة شريفة (كجميع شباب العالم سواء المتقدم أو المتخلف) تدر عليهم أضعاف أضعاف فتات حافز.
سأختم بقصتين: القصة الأولى كلكم تذكرونها عندما كان المغفور له الدكتور القصيبي متحمسا للتوطين في بداية وزارته فارتدى زي النادل للخدمة في المطاعم فتشجع مجموعة من الشباب واقتدوا به للعمل لأول مرة في المطاعم السريعة، والآن ما الذي يضر المهندس عادل وهو لا يقل اخلاصا وحماسة للتوطين عن سلفه أن يشمر عن ساعديه ويرتدي خاكي العامل الفني ويجلس على مقود أوّل سيارة تنزل لتنظيف حي السليمانية ليكون قدوة ويكتسب شعبية لا تقل عن شعبية القصيبي.
القصة الثانية ربما البعض منكم رأى اليوتيوب (رغم أنه مجرد طرفة) الذي تداولته وسائل التواصل الاجتماعي على نطاق واسع مؤخراً، وهو يحتوي على لقطتين الأولى لفتاة جامعية بالعباية تنحني لتقبل رأس أحد عمال النظافة اعترافا بتنظيفه لشارعهم وتتلوها لقطة ثانية كردة فعل تحتوي مجموعة من الشباب السعودي ارتدى زي عمال النظافة وخرجوا ثاني يوم ليكنسوا الشوارع أمام جامعة الأميرة نورة.
نقلا عن الرياض