قبل نحو 16 عاماً ناقش مجلس الشورى تعديلات طلبتها الحكومة الموقرة على نظام التأمينات الاجتماعية، وطرحت نقاط متعددة، وكان من بين ما استأثر بنقاش مستفيض مقترح طرح من قبل أعضاء في المجلس باستحداث فرعٍ جديد للمتعطلين عن العمل، ورغم أن النقاش تبلور حتى طرح في توصية إضافية، إلا أن التوصية لم تفز بالعدد المطلوب من الأصوات! وطويت صفحة استحداث ذلك الفرع حتى أتى "ساند".
وقناعتي القديمة أن التعويض عن التعطل أمر مطلوب، وهو يمثل نقصاً في الأدوات التي تضفي مرونة على سوق العمل بما يحدّ من تشوهاتها الحادة. ولذا، فلدي صعوبة في تفهم وجهة النظر التي تقول أننا لسنا بحاجة لـ "ساند"، والسبب أنها لا تمانع في ألا يملك من يسرح من عمله دخلاً! فهذا أمر غير معقول.
علينا أن نقبل أن تسريح الموظف من عمله في منشآت القطاع الخاص حقيقة، فالشركات تفلس ويتقلص نشاطها وتغلق فروع لها فتضطر أن تستغني عن موظفيها لسبب أو لآخر، كما أن الدورات الاقتصادية بين نمو وانكماش للاقتصاد ككل تؤدي بطبيعة الحال لزيادة وتائر توظيف وتسريح الموارد البشرية.
ويتفاوت مستوى الأمان الوظيفي؛ فهو مرتفع في المؤسسات الحكومية ومنخفض في المنشآت الخاصة الصغيرة ومتناهية الصغرّ.
والأمان الوظيفي مرتفع كذلك في المنشآت شبه الحكومية وتلك التي تملك امتيازاً أو احتكاراً بما يجعل سوق منتجاتها مستقرة وفي مأمن من المنافسة وتقلبات السوق، مثل أرامكو وشركة الكهرباء على سبيل المثال لا الحصر.
ويبدو أن العديد منا لم تصله الرسالة بعد أن الرغبة في تنويع الاقتصاد المحلي والتوسيع دور القطاع الخاص، لا يقتصر فقط على تأسيس كيانات كبيرة تمتلك رؤوس أموال بمئات الملايين والمليارات، بل إن معظم المنشآت المكونة للقطاع الخاص ستكون صغيرة، من فئة عشرة عمال فأقل.
ويلاحظ حالياً أن اقبال المواطنين والمواطنات للتوظف لدى هذه المنشآت الصغيرة محدود، وريثما يجدّ الشاب وظيفة حكومية أو في شركة مرموقة، وغالباً ما يقضي الشاب في سبيل تحقيق الأمان الوطني 3-5 سنوات متنقلاً بين الوظائف حتى يصل لـ "الوظيفة الحلم"؛ التي تمنحه الأمان الوظيفي والمكانة الاجتماعية والراتب والعلاوات والتدريب والتطوير المتواصلين. وهكذا، فإن قضية دعم المنشآت الصغيرة لتستقطب المزيد من المواطنين أمرّ حيوي بالفعل.
وبالإضافة لتعزيز المرونة في التوظيف والتسريح وفي تحسين قابلية المنشآت الصغيرة والمتناهية الصغرّ لتوظيف المواطنين والمواطنات، فوجود "ساند" يعني اكتمال أفرع التأمينات، فقد كان فرع "تعويض المتعطلين" غائباً دون مبرر، وإضافته مؤخراً كانت من باب استدراك ما كان ناقصاً.
وهكذا، يمكن القول أن وظيفة "ساند" واضحة، أما الأمر غير الواضح فهو: لماذا الاشتراك في "ساند" ليس اختيارياً للمنشآت وللموظفين؟ أو حتى أن يترك الاشتراك فيه اختيارياً للمنشآت الكبيرة واجبارياً للمنشآت الصغيرة مثلاً؟ وعلى صعيد آخر، من المهم بيان أن ما تحصل عليه مؤسسات التأمينات الاجتماعية حالياً (18%+2%) ليس كافياً لتغطية الفرع الجديد (التعطل عن العمل)، إذ إن هناك انطباعا عاما أن لدى المؤسسة الكثير من المال يدرّ عليها إيرادات عالية، كما أن هناك انطباعاً بأن تكلفة برنامج "ساند" ستكون محدودة، بما أنه يمكن أن تغطى ضمن ما يدفعه المشترك شهرياً (18%).
فإن لم يك الأمر كذلك، فليس مفهوما لم لا تبين مؤسسة التأمينات الاجتماعية أرقامها وإحصائياتها وحساباتها وجداولها الاكتوارية؟ ولعل هذه هي الطريقة لإيضاح الصورة، إذ يبدو أن هناك تفهماً واسعاً لمزايا "ساند" لمن قد يتعطل عن العمل، لكن لم تبين المؤسسة لماذا يجب أن يمول بهذه الطريقة وبهذا القدر. والخيار للمؤسسة أن تحافظ على صمتها أو أن تصرح بما في جعبتها، أو ببعض ما في جعبتها، وإلا فليس على أحد حرج أن يفترض افتراضات ويحلل تحليلات مبنية على انطباعات، في ظل غياب القوائم المالية والدراسات الاكتوارية، وفي ظل عدم نقاش مسبق للخيارات المتاحة ولأسس المفاضلة بينها.
وعلينا دائماً أن نتذكر أن اشتراكات "التأمينات" أموال الموظفين ومنشآت القطاع الخاص بما يبرر اتباع سياسات افصاح وحوكمة شبيهة بما تفرضه هيئة سوق المال على الصناديق الاستثمارية والشركات المساهمة.
وقد يقول من يقرأ هذه السطور من مسئولي مؤسسة التأمينات الاجتماعية: ليس معقولاً أن يكون الاشتراك في "ساند" اختيارياً، فأقول له: ولم لا؟ فهناك فجوة معلوماتية يجب ردمها، وإلا فكل سيسلك طريقا ويبني قناعات.
والأمر لا يتعلق بـ "ساند" فقط، بل هناك حاجة لإقناع المشتركين بأن ما يقتطع من رواتبهم هو أقل ما يمكن أن يقتطع، كما تجدر الإشارة إلى أن هناك ضرورة للنظر إلى أن هيكل التأمينات الاجتماعية في بلدنا بحاجة لإعادة هيكلة، لفصل المنظم عن الصناديق، وبذلك تتضح الأدوار وتصبح الشفافية والافصاح مطلباً من الصناديق الحكومية والأهلية، وقد يؤدي ذلك لإضفاء مرونة للاشتراك بحيث أن يكون هناك حدّ أدنى إجباري وما فوق ذلك اختياري لبعض الأفرع، واختياري لبعضها الآخر.
وما يدفع للقول بأهمية إعادة النظر في منظومة التأمينات والتقاعد لدينا هو أنها تطورت جوهرياً خلال الثلاثة عقود الماضية من حيث التنظيم والممارسة وهيكلة المنتجات.
نقلا عن اليوم