قد يكون هناك أسباب مقنعة وضرورية لوجود أعضاء هيئة تدريس أجانب في الجامعات السعودية؛ فجميع دول العالم المتقدمة تحتضن أصحاب الفكر؛ ليساهموا في تطور الجامعات والدول ومنظومة الأعمال، بل إن أفضل الجامعات بالعالم (مثل هارفرد وستانفورد وMIT) مليئة بالأجانب، وحتى العرب.
ولكن بالنظر إلى مخرجات أعمالنا (الصناعية والتكنولوجية والطبية وغيرها)، تجد أن جامعاتنا لم تساهم في البناء كما ينبغي، أو بالأحرى لم تُعطَ الفرصة للمساهمة في البناء بالشكل المأمول.
وأيضاً بالنظر إلى إحصائيات الجامعات يتيقن أن وجود كثير من الأجانب لا مبرر له؛ إذ إن إحصائيات أعضاء هيئة التدريس السعوديين والسعوديات عجيبة، ولا تتبع منهجية واضحة.
عدد أعضاء هيئة التدريس بالمملكة 54.673، منهم 31.918 سعودياً و22.755 أجنبياً. الذكور 31.999 (منهم 16.886 سعودياً، و15.113 أجنبياً)، والإناث 22.674 (منهن 15.032 سعودية، و7.642 أجنبية). وتمثل نسبة الأجانب 42 في المئة من العدد الكلي، و47 في المئة من الذكور، و34 في المئة من الإناث.
وبالنظر إلى تفاصيل الأساتذة الأجانب كنا نتمنى أن يكون الاستقطاب في المراتب العالية كـ(أستاذ)، لكن - مع الأسف - تفاصيل الذكور منهم (10 في المئة أستاذ، 19 في المئة أستاذ مشارك، 46 في المئة أستاذ مساعد، 20 في المئة محاضر، والبقية أقل 5 في المئة). وقسم الإناث ليس بأفضل حال؛ فالتوزيع (4 في المئة أستاذ، 13 في المئة أستاذ مشارك، 47 في المئة أستاذ مساعد، 30 في المئة محاضر، والبقية 5 في المئة).
أما بالنسبة للجامعات التي يفوق بها عدد الأساتذة الأجانب نظراءهم الأساتذة السعوديين (بمختلف مستوياتهم) فنجدها أكثر من نصف الجامعات؛ إذ إن 13 جامعة من الـ25 جامعة يوجد بها الأساتذة السعوديون «أقلية». وبالنسبة للأقسام الذكورية نجد أن 17 جامعة من أصل 25 جامعة يفوق بها عدد الأساتذة الأجانب عدد السعوديين (في مجموع المستويات).
لكن الأقسام النسائية بحال أفضل من الأقسام الذكورية؛ إذ إن فقط 7 جامعات من أصل 25 جامعة يفوق بها عدد الأستاذات الإناث عدد السعوديات. وفي بعض الحالات التي تستوجب التساؤل الفوري نجد جامعة حائل يفوق بها عدد الأستاذات الإناث الأجنبيات بـ5 مرات عن مثيلاتهن السعوديات، وجامعة جازان يفوق بها عدد الأجنبيات بـ3 مرات عن السعوديات.
أما بالنسبة لعدد الطلبة والطالبات لكل أستاذ (ذكر وأنثى) فنعلم جميعاً أن هناك تخصصات تحتاج إلى تركيز الأستاذ على عدد قليل من الطلبة والطالبات، بينما هناك تخصصات لا تعنيها هذه التقسيمات.
وسأتطرق هنا إلى بعض الملاحظات بالنظر إلى عدد الأساتذة لطلبة البكالوريوس. فهناك أمران مهمان، (الأول) مقارنة الجامعة بالأخريات، و(الثاني) مقارنة القسم الرجالي بالنسائي في الجامعة نفسها.
ونعلم أن هناك أساتذة ذكوراً يدرّسون طالبات عبر شبكات التلفزيون، وهذا أسلوب تم اتباعه نظراً للنقص في الكادر النسائي، ويجب ألا يكون مبرراً.
فبمقارنة الجامعات ببعضها نجد أن جامعات بها أستاذ (ذكر أو أنثى) لكل 10 أو أقل طلبة وطالبات (في مرحلة البكالوريوس)، وهناك جامعات بها أستاذ لكل 10 إلى 20 طالباً وطالبة، وهناك جامعات بها أستاذ لما هو أكثر من 20 طالباً وطالبة، وأكثر من 30 طالباً وطالبة، وأكثر من ذلك. فهناك تفاوت كبير حتى بين الجامعات المماثلة. وعند مقارنة التوزيع نفسه بين القسم الرجالي والنسائي بالجامعة نفسها فالحال ليست بأفضل مما سبق؛ فهناك تفاوت مخيف; فعدد الطلبة (لمرحلة البكالوريوس) بجامعة الدمام 6 آلاف، والطالبات 33 ألفاً، بينما عدد الأساتذة الذكور (ألف) والإناث (ألف وستمائة). وعدد طلاب جامعة الباحة 13.9 ألف والطالبات 12.4 ألف، بينما عدد الأساتذة الذكور 820 والإناث 406. وعدد الطلبة في جامعة الأمير سلمان بن عبدالعزيز 9 آلاف والطالبات 13.8 ألف، بينما الأساتذة الذكور 1103 والإناث 747. وعدد الطلبة في جامعة حائل 15.5 ألف والطالبات 22.7 ألف، بينما الأساتذة الذكور 746 والإناث 485. وجامعة جازان 19.7 ألف طالب و25.2 ألف طالبة، بينما عدد الأساتذة الذكور 1949 والإناث 972.
أخيراً، هذا فقط نماذج من المفاجآت في تقرير إحصاءات التعليم العالي الأخيرة. والتحليل الدقيق يوضح أموراً أكثر، تحتاج إلى إعادة نظر.
نعلم أن وزارة التعليم العالي أوكلت كثيراً من المهام للجامعات، بما فيها الميزانيات، وربما نحتاج إلى مراقبة وتنسيق في بعض الأمور بين الجامعات والوزارة. ولن ننسى المجهود الجبار لوزارة التعليم العالي في بناء مباني الجامعات الضخمة، وإن كان بعضها ينقصه بعض الجودة، وهذا ليس من شأنها بل من شأن الشؤون الهندسية والرقابية في المكاتب الاستشارية، إلا أنه عمل جبار، وعجز عن مثله كثير من الوزارات.
يبقى إنجاز المباني هو الأهم، والآن العمل يجب أن يكون على التنظيم والتنسيق وجودة التدريس.
نقلا عن الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع