أرامكو للحلول المتكاملة

31/08/2014 0
د. إحسان بوحليقة

تقليدياً، أرامكو السعودية شركة لاستكشاف وإنتاج وتسويق النفط، وهي شركة حكومية، لها امتياز شامل للقيام بأغراضها في طول وعرض أراضي الوطن الغالي. وتتولى أرامكو تنفيذ أغراضها من خلال امتلاك منظومة متكاملة ومدمجة من الموارد، يأتي في مقدمتها المورد البشري دون شك.

ومن أهم مكونات تلك المنظومة سلسلة متشعبة ومترابطة لتحقيق المهام اللوجستية المساندة لعمليات استكشاف واستخراج وتسويق ونقل وتكرير النفط الخام؛ إذ لم تكتف أرامكو بامتلاك سلسلة التزويد بل كانت حريصة منذ بدايتها الأولى أن يكون لها إسهام متزايد في سلسلة القيمة كذلك؛ ولا أدل على ذلك من التوجه المتصاعد للشركة لتصبح شركة «للطاقة» وليس لإنتاج وتكرير النفط فقط، وكذلك للتركيز على توليد القيمة المضافة وعدم الاكتفاء بتصدير النفط خاماً.

وتوجه الشركة العملاقة لتجاوز انتاج وتصدير النفط الخام قديم؛ فهي -على سبيل المثال- امتلكت مصافي مبكراً منذ العام 1945، إلا ان انغماسها في «التصنيع» كان في حدود ضيقة، بالنظر للاحتياطيات والإمكانات، فلسنوات طويلة كانت الطاقة التكريرية لسنغافورة التي لا تمتلك برميلاً من الاحتياطيات تتجاوز ما تكرره المصافي السعودية.

أعود لأقول إن توجه الشركة للتوسع في أنشطة القيمة المضافة سيحقق لها، وبالتالي للاقتصاد السعودي ولتنوعه، آفاقاً أرحب، ولا سيما أن مبادرات أرامكو هي مبادرات مع شركاء هم الأكبر في العالم، بل يمكن القول إن هذه الشراكات يمكن اعتبارها اتفاقات الجيل الثالث، بعد اتفاقات المملكة مع الشركات الأمريكية لإنتاج النفط، ثم اتفاقيات المملكة مع الشركات العالمية لتصنيع البتروكيماويات السلعية (من خلال شراكات مع سابك)، أما الجيل الثالث فاتفاقات أرامكو السعودية مع شركات من وزن توتال وداو كميكال وسواهما للتصنيع المتقدم في مجالات متعددة ليس أقلها أهمية تصنيع الكيماويات المتخصصة.

وأرامكو السعودية شركة عالمية بكل المعايير؛ فقد أثبتت ذاتها على أكثر من صعيد، ولعل أهم تلك الأصعدة تطوير الموارد البشرية السعودية لتعتمد عليها، ولتصبح مَدرسة تخرج المهندسين والتنفيذيين والفنيين في مجالات حيوية عديدة، ولتثبت لمن مازالوا يصمون الأذان بقدرة ودافعية المواطنين، أنها استطاعت استقطاب سعوديين من البدو الرحل من كبد الصحراء، ومن الفلاحين والصناع ليعملوا لديها في أنشطة لم يعتادوها!

ولن يتسع المجال للإطالة، لكن مبادرات أرامكو السعودية على مدى العقود في تطوير الموارد البشرية ورعاية الرأسمال البشري جديرة بأن تُجمع وتُوثق وتُحلل منهجياً حتى يُستفاد منها على أكثر من صعيد، ولاسيما أن تلك المبادرات كانت -وقت إطلاقها- جريئة وخارجة عن المألوف في مجتمع محافظ! خذ مثلاً برنامج «التدرج»، الذي كان هو المرتكز لإمداد الشركة بالسعوديين؛ باستقطاب الموارد البشرية «الخام» من القرى والبلدات ليطورها عبر سنوات طويلة حتى تمتلك المهارات والقدرات ثم تفتح أمامها الأفق، حتى غدا -في وقت من الأوقات- خريجو برنامج التدرج هذا هم صف الشركة الأول، الذي يديرها تنفيذياً وهندسياً وفنياً ولوجستياً! وهذا مجرد مثال ليس أكثر.

وباعتبار أن التوسع أفقياً وعامودياً هو أسلوب حياة بالنسبة لأرامكو، أو ما اسميه استراتيجية «المحيط التركوازي»، أي ما يتجاوز المعروف في عالم الاستراتيجيا بـ «المحيط الأزرق»، فقد أدى ذلك لامتلاكها «مهارات» في مجالات عدة تتجاوز مجرد عمليات انتاج وتسويق النفط، ولعل السبب: أن الشركة وجدت نفسها في مناسبات عديدة عليها أن توفر منفردةً حلولاً متكاملة تتجاوز الأنشطة المتصلة مباشرة بالنفط، مما جعلها تمتلك الموارد للقيام بذلك. فهل يعتبر هذا خروجا عن «النص»، أقصد عن المهام المرسومة في أهداف الشركة؟

لعل الأقرب أنه لم يكن أمامها من خيار إلا امتلاك الأدوات لتحقيق الهدف.

ويبرز هنا مثال، وهو الأوضح هذه الأيام، ويتمثل في قدرة الشركة على إدارة المشاريع، وهي قدرة نبعت من أنها شركة دائمة التوسع متعددة المبادرات التي بحاجة لتنفيذ، وهذه تتحول لمشاريع متنوعة في حجمها وتعقيدها ودرجة المخاطرة فيها إضافة لضخامة عددها الذي تجاوز الآلاف دائماً، فضلاً عن تنوع استخداماتها والادارات المالكة لها؛ فعلى الرغم من أن جلّ المشاريع له صلة بصناعة النفط، إلا أن جزءاً منها له جوانب مساندة (مَدّ طريق وتعبيده) أو اجتماعي (تخطيط وتهيئة حي سكني وتوفير خدمات تعليمية وإتاحة خدمات صحية).

هذا التنوع في المشاريع التي أسهمت الشركة في التفكير بها وتخطيطها وطرحها وإدارتها ورعايتها وصيانتها وتمويلها وإدارة المقاولين المنفذين لها منح الشركة خبرة عميقة ونادرة في مجال المشاريع من جوانبه المتعددة.

والأمثلة كثيرة فيما تمتلكه أرامكو من مواهب وخبرات، بما يُعدّ بمثابة كنز ثمين من الملائم توظيفه ليساهم في دفع عجلة تنويع الاقتصاد السعودي والارتقاء بإنتاجيته، ولذا فلعل من الملائم إطلاق شركة تحت مسمى «أرامكو للحلول المتكاملة» تختص بتقديم: فكرّ ومنهجية أرامكو وتجربتها الإدارية المتراكمة عبر السنين، وإدارة وتنفيذ المشاريع بتشعباتها، وتطوير وتنمية الموارد البشرية وتحفيزها.

وليس في الأمر جديد، فالعديد من الشركات العالمية لديها شركات تابعة تؤدي مهام مساندة أو متخصصة في مجالات تتفاوت قرباً أو بعداً من صلب أعمال الشركة، أما الرابط فهو استغلال الإمكانات الكامنة وتعظيم قيمتها ومردودها على الشركة ومجتمعها.

نقلا عن اليوم