الصناعة خيارنا الوحيد لتنويع مصادر الدخل (هذه العبارة تتوّج غلاف الاستراتيجية الوطنية للصناعة وقائلها هو خادم الحرمين الشريفين). من ناحية ثانية فإن تنويع مصادر الدخل هو بمثابة الحياة أو الموت –بعد نضوب البترول– لمستقبل اقتصادنا ومستقبل اقتصاد أجيالنا القادمة.
المملكة بلد غير زراعي وليس لديها مقومات الزراعة (هذه مقولة حق لمعالي وزير المياه). وكذلك المملكة حتى يومنا هذا بلد غير صناعي ولكن لديها -لو شاءت- مقومات الصناعة.
اقتصاد المملكة بكامله الآن يسمى اقتصاد ريعي يعتمد على دخل مورد طبيعي ناضب يفرض علينا ضرورة ايجاد موارد دخل مستدامة بديلة للمورد الناضب قبل نضوبه.
من حسن -وربما البعض يراها من سوء- حظ المملكة ان الله حباها ثروة جاهزة ولكنها ناضبة لم يبذل الإنسان أي جهد في تكوينها وترك الله لنا الخيار إمّا الاستفادة منها وتحويلها الى ثروة مستدامة أو تبديدها على إشباع رغبات آنيّة ثم عض أصابع الندم حيث لا ينفع الندم.
مقومات الصناعة تتكوّن من الآلة والعمال والمواد الخام. المواد الخام قاسم مشترك لابد من توفرها بنفس الكميات سواء كانت الصناعة كثيفة رأس المال أو أن الصناعة كثيفة الايدي العاملة. بينما يمكن احلال الآلة مكان العمل واحلال العمل مكان الآلة بشكل مرن وحسب توفر العنصر.
بالنسبة للمملكة -الحمد لله- يتوفر لديها رأس المال النقدي، وهذا يمكّنها من شراء وتكثيف الآلة والتحول الى الاقتصاد المعرفي الحديث. ولكن فتح باب الاستقدام على مصراعيه لعدم وجود المخطط الرشيد وعدم اطمئنان رجال الأعمال الى استمرار مشاريعهم في المدى الطويل (إحساسهم بأن الطفرة مؤقتة) يجعلهم يتهيبون من المغامرة بربط رؤوس اموالهم -رغم أنها منحة من الحكومة- في شراء الآلة ويميلون الى استخدام اليد العاملة الرخيصة –بغض النظر عن جودة مخرجاتها– لأنه يمكن التخلص منها بسهولة بمجرد انتهاء المشروع (مبدأ كل فطير وطير).
الاعتماد الكلي على الأيدي العاملة غير المدربة الرخيصة المستقدمة من الخارج، إضافة الى ترك الحبل لها على الغارب للتدرب على (وممارسة) جميع انواع المهن في بلادنا أدى الى مايلي:
اولا: تعطيل القوة العاملة الوطنية وطردها من السوق وبالتالي فقدانها الشعور بالانتماء للوطن وتوجّه الشباب الى البحث عن ذاتهم في اتجاهات أخرى غير سويّة لإثبات وجودهم كبشر لهم مشاعر واحتياجات ومطالب ضرورية لابد من إشباعها.
ثانيا: هشاشة الصناعات والمشاريع التي لن تلبث طويلا حتى تحتاج للصيانة فتصبح عبئا على الاقتصاد الوطني فيكون عدم إنشائها أكثر جدوى من انشائها أصلا.
لابد من تدخل الدولة العاجل بإجراء تغيير جذري (انقلاب إصلاحي) في اقتصاد المملكة بالتركيز على استخدام الآلة وتوطين العمالة بالكامل من أجل الاستدامة.
في جميع دول العالم بلا استثناء عندما يتم الإعلان عن مشروع جديد فان اول المميزات التي يتفاخر بها القائمون على المشروع هو عدد الوظائف التي سيوفرها المشروع للمواطنين، بعكس ما يحصل لدينا فأول المطالب التي يقدمها القائمون على المشروع هو عدد التأشيرات لإغراق البلد بالمستقدمين.
حتى ارامكو -يا للأسف- عندما أعلنت عن انشاء الأحد عشر ملعباً قالت على استحياء (يبدو لمجرد ذر الرماد في العيون) ان المشروعات ستوفر عشرة آلاف وظيفة للمواطنين بينما نصيب الأسد وهو سبعة وسبعين ألف عامل ستكون للاستقدام من الخارج.
نقلا عن الرياض