أرجو الإجابة بإسهاب.. لماذا 2 بالمائة ؟

13/08/2014 10
د. إحسان بوحليقة

لنتصور أن حمد تخرج من احدى الجامعات وعمل محاسباً في مؤسسة خاصة في الدمام، وبعد مضي أربعة أعوام قرر صاحب المؤسسة شطب السجل وإغلاق مؤسسته، ليصبح حمد وأربعة موظفين سعوديين آخرين عاطلين وبدون دخل.

وبما أننا نتحدث عن حالة افتراضية قد تقع مستقبلاً، فلنفترض كذلك أن حمداً وزملاءه سيحصلون على رواتب تعطل من التأمينات في حدود 60 بالمائة لأول ثلاثة أشهر ستنخفض بعد ذلك لتصبح 50 بالمائة؛ ليحصل حمد ابتداء على 6000 ريال.

وباعتبار أن راتب حمد كان قبل أن يُسَرّح من عمله عشرة آلاف ريال، فهو ليس سعيدا بالانخفاض الكبير لدخله، لكنه بمجرد استلامه أول راتب من "ساند" فقد غطى ما كان قد دفعه شهرياً (100 ريال) منذ أن بدأ الاشتراك وزيادة! فقد استعاد ما دفعه خلال الـ 48 شهراً (أي الأربع سنوات) التي عملها في المؤسسة، والتي بلغت 4800 ريال، وما فاق ذلك فهو زيادة.

الحالة أعلاه افتراضية، لكن "ساند" سيحدث فارقا مهما؛ فحمد لن يصبح من معدومي الدخل، ومع زيادة عدد السعوديين العاملين في المؤسسات الصغيرة والمتوسطة في القطاع الخاص يصبح "ساند" ضرورة لا غنى عنها؛ فهذه المؤسسات لا تتمتع بأي أمان وظيفي؛ فالقرار من حيث استمرارها من عدمه بيد ملاكها، ففي أي وقت ولأي سبب قد يقررون شطب السجل والتوقف عن ممارسة النشاط، ويصفون ما للموظفين من حقوق، وينتهي الأمر عند ذلك الحدّ بالنسبة للملاك، أما بالنسبة للموظفين فهي بداية للمعاناة.

هناك العديد ممن يعملون في وظائف حكومية تحدثوا بضراوة ضدّ "ساند"، رغم أن هؤلاء ليسوا عرضة للتعطل، فمن يحظى بوظيفة حكومية يبقى ما طاب له البقاء، وآخرون يعملون في كبريات شركات القطاع الخاص شبه الحكومية (التي تملك الحكومة جل أسهمها) وتحقق إيرادات مليارية، ومن يعمل لدى هذه الشركات وظيفته مضمونة آمنة مادام يؤدي في حدود الجيد، وليس عليه أن يزيد إلا إذا دفعه طموحه ورغبته لذلك، ثم ما احتمال أن نستغني عن شركة الكهرباء أو سابك أو معادن أو أرامكو أو الاتصالات؟!

"ساند" يساند بالدرجة الأولى المواطنين العاملين في المنشآت الناشئة والصغيرة، فهذه– كما تعلمون- لا يتمتع موظفوها بأي قدر من الأمان الوظيفي، ولهذا السبب ففي معظم الأحيان غدت الوظيفة فيها بمثابة "فترة انتظار" ريثما يحصل المواطن على وظيفة في منشأة تتمتع بدرجة أعلى من الأمان الوظيفي.

هذه ميزة علينا أن نعطيها لـ"ساند"، وهي ميزة قد لا يراها موظفو الحكومة والشركات العملاقة والكبرى، أما في الشركات الصغيرة فهي الميزة المفقودة، والتي لن تستطيع الشركة الصغيرة توفيرها لموظفيها مهما قطعت على نفسها من تعهدات، فهي قد تضطر للخروج من السوق اضطراراً، ليأتي رب العمل فيقدم اعتذارا ويودع موظفيه حتى أقرب رصيف. كيف نعالج أن موظفين قد سرحوا وعوائل لن تجد طعاماً على موائدها؟

العواطف الجياشة لن تتحول إلى خبز، ما سيتحول إلى خبز هو "ساند" الذي سيقدم للموظف المُسَرّح راتباً بواقع 60 بالمائة لأول ثلاثة أشهر ثم بواقع 50 بالمائة بعد ذلك. ليركز الموظف ومنذ اليوم الأول، وربما قبل ذلك، للبحث عن عمل بديل، لا أن تأكله الهموم في كيف سيدبر معيشته ومَن يعول.

وأدرك عدم رغبة أحد في الخصم من راتبه حتى بمقدار 1 بالمائة، لكن كل من يعمل ضمن نطاق التأمينات الاجتماعية يتحمل خصما قدره 9 بالمائة مادام على رأس العمل، وقد يستمر في الدفع من حين تخرجه شاباً حتى تقاعده كهلاً دون أن يحصل من التأمينات على "بيزة"، لكنه يدفع للحصول على راتب تقاعدي فيما بعد.

وقد يقول قائل: انه يدفع لأنه ملزم ولا خيار له، ونقطتي هنا: أن مبدأ الخصم من الراتب للاشتراك في التأمينات قائم، وأننا أمام برنامج إضافي (ساند) يقدم خدمة تكافلية لها تكلفة، وتوجه التأمينات تغطية تلك التكلفة تكافلياً كذلك، وباعتبار أن نظام التأمينات الاجتماعية نظام تكافلي؛ أي ان المشتركين يتكافلون فيما بينهم لتحمل المخاطر التي قد تصيب بعضهم. وعلى الرغم من ذلك أُضيف أن النقطة الجديرة بالاهتمام هي: لماذا 2 بالمائة تحديداً؟ ستكون الإجابة بأنه وفقاً للدراسات الاكتوارية.

سيكون سؤال المتابعة: على أية افتراضات بنيت تلك الدراسات؟ وهذا يقود إلى سؤال ثالث هو الموَلّد الفعلي لطرح العديد من الأسئلة والمعارضات التي رافقت قرب دخول "ساند" حيز التنفيذ، وهو يتعلق بالشفافية والافصاح للحسابات والأنشطة الاستثمارية للمؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، فعند التمعن في الطروحات التي ملأت القنوات، تجد أن جزءاً مهماً منها يقترح خيارات تمويل "ساند" تتجنب الخصم من راتب الموظف، فمما طُرح: التمويل من عوائد استثمارات التأمينات أو لماذا لا يدفعها رب العمل، أو لماذا يدفعها جميع المشتركين حصراً وبجميع الرواتب؟

على سبيل المثال لا الحصر. وقد يستغرب- ولا أقول يستهجن- بعض المسؤولين الرسميين تلك المقترحات باعتبار ما يعلمون، لكن من يقترح يطرح وجهة نظر وفقاً لما لديه من معلومات قاصرة.

وهكذا، نجد أن فوائد "ساند" واضحة، أما الخيار الذي فضلته التأمينات لتمويل "ساند" فيكتنفه الغموض؛ هي تعتقد أنه الأفضل، في حين أن هناك من لا يتفق معها في جدارته. وهكذا، فالمطلوب من التأمينات إيضاح تفوق خيار الخصم المباشر من الراتب بواقع 2 بالمائة على بقية الخيارات.

نقلا عن اليوم