على رغم أن حديث الرياضة، خصوصاً كرة القدم، لا يكاد يغيب في السعودية، إلا أن هذا الشهر كان الأعلى صوتاً مقارنة ببقية القضايا الأخرى. السبب يعود إلى ثلاثة أمور تُقرأ على الوجهين، الوجه الأول الرياضة، والآخر هو المال والاقتصاد.
فالأمر الأول: وهو اختيار الأمير عبدالله بن مساعد رئيساً لرعاية الشباب بدلاً من الأمير نواف بن فيصل.
الثاني: أمر خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز بإنشاء 11 ملعباً جديداً في مناطق المملكة المختلفة.
الثالث: فوز تحالف تقوده قناة «إم بي سي» هذا الأسبوع بحقوق نقل الدوري السعودي حصرياً في مقابل عقد ضخم بلغت قيمته 4.1 بليون ريال لعشرة أعوام.
ولنبدأ من الأخيرة، ففي صفقة هي الأكبر في تاريخ الرياضة السعودية، فاز تحالف مجموعة «إم بي سي» مع القنوات الرياضية السعودية بحقوق نقل الدوري السعودي حصرياً في مقابل دفعهما 4.1 بليون ريال لعشرة أعوام. إذ ستتخصص الأولى في نقل فعاليات دوري أندية الدرجة الممتازة، وستكتفي الثانية بنقل فعاليات دوري أندية الدرجة الأولى.
وعلى رغم معارضة واحتجاج قنوات أخرى على عدم شفافية اتحاد الكرة، وعدم طرحه امتياز نقل الدوري في مناقصة عامة للجميع، وبغض النظر عن تذمّر التيار المحافظ الذي ينظر بريبة إلى ما تقدمه مجموعة «إم بي سي» من برامج، إلا أن حجم العقد وأرقامه يشيران اقتصادياً إلى تحول الفكر في اتحاد الكرة إلى «البزنس» والفكر التجاري لتحقيق عوائد مالية جيدة من وراء أكبر وأهم دوري عربي.
الموضوع الثاني، وهو أمر خادم الحرمين الشريفين قبيل رمضان المبارك بأسبوع واحد بإنشاء 11 ملعباً جديداً في السعودية، وتكليفه شركة الزيت «أرامكو» للإشراف على إنشاء وتنفيذ هذه الملاعب. وبالفعل، سارعت «أرامكو» هذا الأسبوع بإعلان شروط تنفيذ هذه الملاعب أمام الشركات المحلية والعالمية الراغبة في دخول المناقصات. كما أعلنت بدء العمل في إنشاء هذه الملاعب مستهل كانون الثاني (يناير) المقبل، على أن تنجز خلال عامين (تكون جاهزة بحلول يناير 2017). وإن لم تعلن كلفة إنشاء هذه الملاعب حتى الآن، إلا أن هذه الملاعب بالتأكيد ستكون دعماً لاستثمارات قطاع الرياضة، ودعماً لقطاع الخدمات في الاقتصاد السعودي عموماً.
الموضوع الأول، والأهم رياضياً واقتصادياً، هو اختيار الأمير عبدالله بن مساعد رئيساً لرعاية الشباب في السعودية، فالأمر يعكس صراحة توجّه الحكومة السعودية لتفعيل ملف تخصيص الأندية السعودية الذي نام في الأدراج طويلاً. فالأمير عبدالله كلف سابقاً برئاسة لجنة خصخصة الأندية السعودية، وعمل عليه طويلاً حتى أنجزه. وبالتالي، جاء اختياره رئيساً لرعاية الشباب لينفّذ على أرض الواقع توصيات اللجنة. وبالتأكيد لن تكون مهمة رئيس الشباب الجديد مفروشة بالورد، فالأندية السعودية ابتليت بأفراد يرون أنهم هم النادي والنادي هم. وواحدهم هو الرئيس، والآمر، والناهي، والمتصرف، والداعم، وبالتالي لينجح ابن مساعد عليه بداية أن يزيح هذا الفكر وعقلياته، ويستبدله بإدارات مؤسساتية في الأندية، وخلق نظام يحدد معايير اختيار القيادات فيها، وهذا أولاً.
ثانياً: ليست الأندية في الظاهر ملكية عامة لتحول إلى الملكية الخاصة، بل إن ما تدفعه الحكومة من إعانات لها لا تكاد تغطي عقد لاعب واحد في زمن الاحتراف والمبالغ الخرافية التي تدفع للاعبين. وبالتالي فإن خطة تخصيص الأندية يجب أن تكون مختلفة عن خطة خصخصة أي قطاعات أخرى، ولذلك من المهم بعد مأسسة الإدارات، إعداد خطة تسويقية كبيرة للأندية المزمع تخصيصها. فالقطاع الخاص يريد خطة بالتكاليف والعوائد ليدخل مستثمراً في المجال الرياضي، ولا توجد - بحسب علمي - خطة واضحة بهذا الشأن.
ثالثاً: يحتاج ابن مساعد للتدرج في خصخصة الأندية، والبدء بالأندية الكبيرة ذات القاعدة الجماهيرية العريضة. وبحسب علمي أنه أعلن سابقاً أنه سيبدأ بناديين كبيرين، وهذا جيد. ولكن ورطة ابن مساعد ستكون في الأندية المتوسطة والصغيرة غير المغرية للقطاع الخاص لدخولها. وبالتالي سيحتاج خطة دمج وتطوير لهذه الأندية قبل التفكير في تخصيصها.
رابعاً: سيعاني ابن مساعد وفريقه من رد فعل جماهير الأندية، وتحميل كل خطوة يقوم بها ما لا تحتمل من الأقاويل والاتهامات. وهو ما يوجب عليه الإدارة بمبدأ الشفافية والوضوح بداية، والتعاون مع الإعلام دائماً لتوضيح هدف ونطاق كل خطوة يقوم بها.
خامساً: يحتاج ابن مساعد إلى فريق ديناميكي وحيوي وشاب لتنفيذ خطته، ولا أعتقد بأنه ورث مثل هذا الفريق، فعليه قبل البدء بخطته استقطاب وتكوين فريقه الخاص المزوّد بالمهارات والقدرات المطلوبة لإدارة خطته الكبيرة لتخصيص الأندية في السعودية بنجاح. ولعل غياب الكفاءات، وسيطرة البيروقراطية، وتقاطع المصالح، كانت السبب في عدم قدرة سابقيه على إنجاز شيء ذي بال في ما يتعلق بملف تخصيص الأندية، المعلن منذ 15 عاماً، ولم يتم البدء فيه فعلياً إلى اليوم.
ختاماً، رئيس رعاية الشباب الجديد جاء من قطاع «البزنس»، فهو المؤسس ورئيس مجلس إدارة شركة الورق المدرجة في سوق الأسهم السعودية. ولا شك في أن خلفيته التجارية في عالم «البزنس» ستكون خير داعم له لتحويل قطاع الرياضة السعودية إلى قطاع اقتصادي يقوم على مبدأ الكلفة والعائد، ويسهم في خلق فرص استثمارية ووظيفية تسهم في دعم قطاع الخدمات السعودي.
نقلا عن الحياة