عزوف القطاع الخاص عن توظيف الشباب السعودي، وعزوف مجلس الشورى عن الاعتراف بوجود بطالة في المملكة، وعزوف (بالأحرى عجز) وزارة العمل عن إيجاد حلول جدية لمشكلة البطالة، وعزوف الجهات المسؤولة عن التخطيط عن تطبيق على أرض الواقع ما تقوله على الورق، وعزوف المتخصصين (ربما لعدم فهم الأسباب الحقيقية) عن مناقشة تفاقم مشكلة البطالة.
كل هذه العزوفات أدّت في النهاية كردة فعل (بعد اقتناع الشباب بالتجربة عدم الجدية في تشغيلهم) الى ما يسمى عزوف الشباب السعودي عن التقدم الى الوظائف الصورية التي يتم الاعلان عنها (لمجرد ذر الرماد في العيون) لأنهم اقتنعوا في عقلهم الباطن أنها مفصّلة للاستقدام وأنها لا تعدو أن تكون مجرد خطوة اولى لتبرير الحصول على تأشيرات استقدام العمال بأرخص الأجور من افقر دول العالم.
هكذا تحوّل العزوف تدريجيا الى ظاهرة يحتج بها المستفيدون من اعاقة الشباب السعودي عن دخولهم الى سوق العمل بعد ان كان مجرد اشاعة (او تهمة) أطلقها ولا زال يطلقها ويروّج لها بعض المستفيدين من أتباع ما يسمى رجال الأعمال، وصادق عليها ولا زال يصادق عليها ويروّج لها بعض اعضاء مجلس الشورى، ومن ثمّ انخدع بها فرددها –ربما عن غفلة– بعض كتابنا الذين اختلطت عليهم الأمور فلم يستطيعوا التفريق بين الأسباب والنتيجة وأصبحت الضحية –في نظرهم– هي المتهم.
فلنفترض انه حقا يوجد عزوف لدى الشباب السعودي العاطل (رغم احتياجهم للوظيفة) عن التقدم للوظائف التي يدّعي المسؤولون في الغرف التجارية انه يتم الإعلان عنها –بشكل منسّق– على لوحات الحائط في دهاليز وصالات الغرف التجارية.
أليس المفروض أن نسأل أنفسنا ما سبب هذا العزوف لدى الشباب السعودي (رغم انهم كجميع شباب العالم يولدون على الفطرة) بينما الشباب في جميع دول انحاء العالم هم عصب القوة العاملة في القطاع الخاص في اوطانهم؟
يوجد حوالي 879 الف حالة ضمان لشهر رجب (وفقا لموقع وكالة الوزارة) فلو افترضنا ان متوسط عدد افراد الحالة الواحدة اربعة أشخاص فسيصبح عدد المستفيدين من الضمان الاجتماعي حوالي 3.5 مليون شخص، فلو أضفنا اليهم حوالي اثنين مليون شاب عاطل مسجلين في حافز سيصبح مجموع السعوديين الذين يعيشون على معونة الحكومة حوالي 5.5 ملايين شخص أكثر من ربع السكان المواطنين ليس لهم دخل يوفّر لهم لقمة العيش الكافية التي لا يمكن ان يحيا الانسان بدون توفرها.
هذه الأرقام المأخوذة من مواقع الجهات الرسمية توضّح انه على الأقل واحد من كل اربعة من سكان المملكة المواطنون يتلقون معونة مباشرة من الحكومة اما لأنهم شباب عاطلون لا يجدون لهم وظائف او انهم غالبا عوائل قد لا يجد عائلها فرصة للعمل.
بينما نرى بعض كتابنا يصدقون ويروجون للإعلانات التي أخذت تشكل ظاهرة خطيرة أخذت تتصاعد في اوقات مختارة وكأنها تسير وفق جدولة متفق عليها مسبقا بين المعلنين للإيحاء بأنه يوجد فائض من الوظائف التي تعرض كل يوم ولكن لا يتقدم لها احد.
أليس الأجدر بمجلس الشورى الموقر بدلا من العزوف عن مناقشة احتياجات أجيالنا الحالية للقمة العيش ان لا يتظاهر بأنه مهتم بإنشاء حصالة لتوفير لقمة العيش لأجيالنا القادمة.
البطالة ثم البطالة ثم البطالة (قطع الأرزاق) بغض النظر عن اسبابها فهي أم الكوارث المدمرة للأخضر واليابس والمغذي الأول والأخير للخارجين -ولا يلامون- على مجتمعاتهم.
نقلا عن الرياض
((المغذي الأول والأخير للخارجين -ولا يلامون- على مجتمعاتهم)).........