ماذا عن إعادة تقييم الريال أمام الدولار؟!

08/07/2014 12
د. عبدالرحمن محمد السلطان

إذا كان الريال عملة غير قابلة للتعويم، كما أنه من غير المناسب ربطه بسلة عملات في ظل الوضع غير المستقر الذي تمر به معظم العملات الرئيسة في العالم، إذاً ماذا عن رفع قيمة الريال أمام الدولار بتخفيض سعر صرفه ليصبح مثلاً 3.2 ريال للدولار بدلاً من سعر صرفه الحالي البالغ 3.75 ريال للدولار؟ نظرياً يمكن أن يترتب على رفع قيمة الريال نتائج إيجابية منها التالية:

1 - اعتمادنا شبه الكامل على السلع المستوردة يعني أن رفع قيمة الريال يفترض أن ينتج عنه انخفاض في أسعار هذه السلع في السوق المحلية، ما يسهم في تخفيض معدلات التضخم ورفع مستويات المعيشة.

2 - اعتماد جزء كبير من السع المنتجة محلياً على مكونات إنتاج أجنبية، أي اعتمادها على سلع أولية ومتوسطة مستوردة، يعني أن تخفيض سعر صرف الريال سيقلل من تكاليف إنتاج هذه السلع ما يزيد من قدرتها التنافسية في السوق المحلية والعالمية، كما سيخفض أسعارها محلياً بما يسهم في تخفيض معدلات التضخم.

3 - سيحد من مطالبة العمالة الأجنبية بزيادة أجورها مع تحسن دخولها مقوّمة بعملات بلدانها مع ارتفاع قيمة الريال أمام تلك العملات، ما يقلل من ضغوط ارتفاع تكاليف الإنتاج محلياً وخفض معدلات التضخم.

4 - إنه خيار مفضل على زيادة رواتب موظفي الحكومة، باعتبار أن لرفع قيمة الريال تأثيراً شاملاً على كافة شرائح المجتمع، بينما زيادة الرواتب يستفيد منها فقط موظفو القطاع العام أما غيرهم فقد يتأثرون سلباً من ذلك لما قد يترتب على تلك الزيادات من ارتفاع إضافي في معدلات التضخم.

5 - إن هناك سابقة لذلك، فالمملكة في سبعينيات القرن الماضي وأمام وضع مماثل قامت برفع قيمة الريال أمام الدولار في عام 1971، كما رفعت قيمته مرتين في عام 1973، بل إنها قررت في عام 1975 فك ارتباط الريال بالدولار وربطه بحقوق السحب الخاصة، أي بسلة عملات، واستمر الوضع كذلك إلى أن أُعيد ربط الريال بالدولار من جديد في عام 1986، بتثبيته عند سعر صرفه الحالي البالغ 3,75 ريال للدولار. في المقابل، هناك تأثيرات سلبية لرفع قيمة الريال أهمها التالية:

1 - رفع قيمة الريال له تأثير مالي سلبي على الدولة، باعتبار أن معظم استثماراتها الخارجية في أصول دولاريه، من ثم سيترتب على رفع قيمة الريال تخفيض لقيمة هذه الاستثمارات عند تقييمها بالريال.

2 - إنه يمثّل ارتفاعاً حقيقياً في حجم الإنفاق الحكومي وتخفيضاً في الإيرادات الحكومية النفطية، ما يتسبب في ظهور عجز في الميزانية العامة للدولة وتسريع بدء استهلاكنا لفوائضنا المالية.

3 - يترتب عليه ارتفاع في تحويلات العمالة الأجنبية إلى بلدانها مقومة بالدولار ما يسهم في زيادة استنزاف هذه التحويلات لاقتصاد المملكة.

4 - سيتسبب في الحد من قدرة السلع السعودية على المنافسة في الأسواق الخارجية مع ارتفاع أسعارها تبعاً لرفع قيمة الريال أمام عملات البلدان المستوردة لها، ما يزيد من حدة معاناة اقتصادنا من المرض الهولندي ويضعف من إمكانية نجاح جهود تنويع القاعدة الإنتاجية.

أمام هذ التضارب، أي وجهتي النظر أقرب إلى الواقعية في ظل المعطيات الحالية للاقتصاد السعودي؟ من الواضح أن أبرز مبررات تخفيض سعر صرف الريال هو المساهمة المتوقعة لذلك في تخفيض معدلات التضخم ورفع مستويات المعيشة، إلا أن هذا توقُّع قد لا يكون في محله..

فارتفاع قيمة الدولار أمام عدد من العملات العالمية، كالين الياباني مثلاً، خلال الفترة الماضية لم يترتب عليه أي انخفاض في أسعار السلع المستوردة، فالسلع اليابانية على سبيل المثال لم تحافظ فقط على أسعارها السابقة بل قد تكون حتى ارتفعت رغم انخفاض قيمة الين، ما يعني أن مكاسب ارتفاع الدولار جيّرت بالكامل لصالح هوامش ربح المستوردين والتجار، وبالتالي ليس هناك أي مبرر لافتراض وضع مختلف في حال رفع قيمة الريال أمام الدولار.

هذه الحقيقة مردها إلى أن ارتفاع معدلات التضخم في المملكة ناتج عن النمو الكبير المستمر في معدلات الإنفاق الحكومي والذي ترتب عليه بالضرورة نمو قوي في الطلب على السلع والخدمات سمح للمستوردين والتجار رفع أسعارهم دون أن يترتب عليه إضعاف لقدرتهم على تسويقها في ظل هذا النمو المتسارع في الطلب، بالتالي حتى وإن رفعت قيمة الريال فلن يجدوا أنفسهم مضطرين لتخفيض أسعارهم وسيحتفظون بمعظم الفرق زيادة في هوامشهم الربحية.

في المقابل، التأثيرات السلبية المتوقعة نتيجة رفع قيمة الريال مؤكدة الحدوث، حيث سيكون لذلك تأثير سلبي حقيقي على الوضع المالي للدولة، وهذا لا يمكن أن يكون مبرراً ولا مقبولاً في ظل محدودية أو حتى غياب المكاسب المتوقع تحقيقها من ذلك.

بالتالي فحل مشكلة التضخم لا يمكن أن يكون مبرراً لتحفيض سعر صرف الريال فهو لن يجدي في حل هذه المشكلة، والحل الحقيقي لمشكلة التضخم هو في تبني وتنفيذ سياسات اقتصادية كلية شاملة تسهم في حل مجمل مشكلاتنا الاقتصادية لا حل مشكلة التضخم وحدها، والمحير ألا نمتلك مثل هذه السياسات رغم كل ما ننعم به من فوائض مالية يفترض أنها تجعل كل ذلك ممكناً.

نقلا عن الجزيرة