على دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية أن تعيد ولادة هذه المنظمة الجامعة لهم من جديد.
فالمنطقة تمخضت عن واقع تكتنفه طلاسم تشابكت على مدى السنوات الخمس الماضية، ويعززها ما يَمرّ حالياً، وما سيتمخض عنه المستقبل القريب، والمنظمات الناهضة هي التي تستبق الأحداث وأحياناً تصنعها وتهندسها.
حالياً، مجلس التعاون كمنظمة إقليمية يعاني السبات وعدم القدرة على مواكبة مرحلة زاخرة بالأحداث والمتغيرات الثقيلة الوطء، رغم أن منطقتنا لم تخل قط من التحديات، فما بدأ "كربيع عربي" نجده أصبح واقعاً يحمل سمات متقلبة بتحديات لم نعهدها من قبل.
المنظمات الرتيبة هي منظمات قائمة، لكن دون تأثير، ونحن لا نريد لمنظمة مجلس التعاون أن تنشغل بالتوازنات البينية دون الانطلاق للملفات المستجدة التي تفرضها الساعة.
وبالقطع من المستجدات العلاقة بين دول مجلس التعاون، وأهمية أن تكون صيغة التعاون أكثر التصاقاً بالواقع.
فهناك من قولب وعرف وحاصر مفهوم "التعاون" حتى أصبح إطاراً حابساً - حتى لا أقول خانقاً - ليس فقط على المستوى الاقتصادي- الاجتماعي، بل حتى فيما يتصل بدور الأمانة العامة والتزامات الدول لتنفيذ ما يتخذ من قرارات.
وليس هناك حل عملي لتحقيق ذلك سوى توسيع صلاحيات الأمانة العامة للمجلس والارتقاء بها لتصبح مفوضية، وأن ينسى من يعمل في الأمانة العامة أنه ممثل لهذه الدولة أو تلك.
بل أقترح أن تصدر لهم جوازات خليجية ليتذكر دائماً أنه مواطن "خليجي" يمثل الدول الست، وليس مهمته أن ينافح عن مصالح دولة بعينها، فتلك مهمة جهات أخرى.
وفي حال تطبيق هذا المفهوم الواسع والمجرب، فسنرى مفوضاً للشئون الخارجية، وآخر للشئون الاقتصادية، وثالث للبنك المركزي الخليجي، وربما نرى مفوضا للسوق الخليجية المشتركة، وآخر للنقل والمنافذ.
وستتمتع "المفوضية" بميزانية تمكنها من التنفيذ، وليس ميزانية لعقد واستضافة الاجتماعات وتوابعها.
وإن كان بعض الدول الأعضاء قد اتخذت موقفاً من موضوع الانتقال من صيغة التعاون لصيغة الاتحاد، فليس هناك ما يبرر ألا يتجه العمل بوسائل متطورة لإنجاز التل المتعاظم من القرارات غير المنفذة تنفيذا كاملاً، فهي قرارات للمجلس الأعلى.
وعدم حسم الانتقال من صيغة التعاون للاتحاد لا يتعارض بتاتاً مع ترقية الأمانة العامة لتصبح مفوضية؛ فيكون على كل مفوض أن يتولى التأكد من تنفيذ الدول القرارات المتخذة التي تقع في جهة اختصاصه، وبذلك ستصبح الأمانة العامة (أقصد المفوضية) قاطرة للعمل الخليجي المشترك وليس مجرد حاضنة لاجتماعات اللجان على تفاوت مستوياتها ومسئولياتها.
فاللجان ليست هيكلاً إدارياً ملائماً لاتخاذ القرار فما بالك بتنفيذه، ولعل اللجان تصلح للتشاور أو لصياغة مسودات القرارات.
أما القرارات فتتخذ من قبل المجلس الأعلى، والمجالس (ولا أقول اللجان) الوزارية فيناط بها التنفيذ المعجل عبر مفوضين مخولين، لكن ما الذي نشاهده الآن؟ نشاهد "جمود" الملفات المحورية ذات الصلة بالملفات الاقتصادية وبالعملة الخليجية الموحدة.
في حين أن هذا الوقت هو وقت إكمال التنفيذ، إذ ليس ملائماً ألا نقرّ صيغة الاتحاد من جهة، ولا نعمل بجد واجتهاد وتحرق بصيغة التعاون، أي إن لم نتحدّ فليس أقل من أن نتعاون بفاعلية.
وحماس دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية لتنظيف الطاولة من الملفات التي أصبحت الطاولة سكناً أمر ضروري تحقيقه.
فالآن هو الوقت لتبين دول المجلس للعالم تعاونها وسط كل المتغيرات والظروف، ولعل من الملائم أن تتخذ اللجان الوزارية القائمة خطوات تتصل بإقرار هيكلية جديدة لعمل المجلس، بما في ذلك الارتقاء بدور وصلاحيات الأمانة العامة حتى تستطيع أن تنفذ ما يُقرّ، لا يرأسها أمين عام يساعده أمناء مساعدون، بل يشرف على أعمالها مفوضون.
وبوسعنا ألا نفعل بأن نبقي الوضع على ما هو عليه، لكن هناك تبعات ستكون هي أن أداء الغد لن يختلف كثيراً عن الأداء في الماضي؛ وبالتالي عدم رضا عما ينجز.
من جهة أخرى، فثمة فرق بين الانشغال في إطفاء الحرائق وبين العمل الاستشرافي المبادر.
كما أن السعي للتعامل مع قضايا - وإن كانت مهمة - ثم عدم إنجاز ملفاتها بالكامل بعض مضي سنوات طوال لا يرسم صورة إيجابية عن المنظمة وأدائها.
لذا أعود "لتنظيف" الطاولة مما هو متراكم لتعزيز الرضا المحلي، فالأمور ليست كالمعتاد في منطقتنا، وهذا الإنجاز لن يتحقق بالأدوات المعتادة التي جرت عليها العادة، إن لم تتوافر الموارد، وتتعاضد الإرادة الجماعية لإنجازه.
نقلا عن اليوم