يشير عديد من الأبحاث والدراسات إلى أن السبب الرئيسي لبحث الناس عن وظيفة جديدة هو لـ''تحسين وضعهم المعيشي.'' ولكن الدراسات نفسها تشير إلى أن السبب الحقيقي وراء تبديل الوظائف هو غياب عنصر الادخار. ولعل القارئ الكريم يرى أن العبارتين متقاربتين إلى حد التطابق. إلا أن الحقيقة أن بينهما اختلافا كبيرا.
فبعد فترة في وظيفة معينة، كثيراً ما يكتشف المرء أنه ظل يعمل لكل تلك الفترة دون أن يحقق من وراء ذلك أي ادخار يذكر، فيستنتج بطبيعة الحال أن السبب في ذلك يعود لعدم تحقيقه قدراً كافياً من الدخل وأنه لو تمكن من زيادة دخله فسيمكنه ذلك من زيادة ادخاره وتحقيق راحة البال. فيبدأ رحلة البحث عن وظيفة جديدة. وإن وفقه الله فإنه يجد وظيفة أخرى تحقق له دخل أفضل. فينتقل إليها فرِحاً ومتفائلاً. وفي بداية الأمر يجد فرقاً كبيراً بين دخله السابق والحالي، مما يمكنه من تحسين مستوى معيشته وربما تحقيق بعض الوفر. ولكن ما يلبث الزمن بضعة أشهر حتى يصبح دخله الجديد هو الوضع المعتاد، فتبدأ مصروفاته في النمو تدريجياً لتتأقلم مع مستوى دخله الجديد (وفي كثير من الأحيان بشكل لا شعوري). وبعد فترة، يجد المرء نفسه في معضلته الأولى نفسها بأنه لم يعد يدخر ما فيه الكفاية، الأمر الذي يؤرق مضجعه ويشغل باله، فيذهب لنتيجته الأولى أن دخله غير كافٍ ليعاود رحلة تحسين وضعه المالي بالبحث عن وظيفة أخرى. وهكذا يستمر الحال.
وفي هذا الصدد قام عدد من خبراء الاقتصاد وعلم النفس بسؤال عديد من الناس عن الدخل الذي يمكّنهم من تحيق الراحة والادخار؟ فوجدوا أن معظم الأشخاص، على اختلاف مداخيلهم، يتوقعون الوصول إلى حد الراحة بزيادة نحو 20 في المائة عن دخلهم الحالي. لذا فهم يطلقون على هذه الظاهرة اسم ''دوامة السعادة''، بينما العامة يطلقون عليها اسم أكثر خيالاً وهو ''سباق الفئران'' (بالاستناد إلى الفأر الذي يركض في عجلة داخل قفصه، ومهما يبذل من الجهد فإنه لا يتحرك من مكانه).
ولكن هناك العديد من الاحترازات التي يمكن القيام بها لكل من الأفراد وأصحاب العمل للتخفيف من خطر الوقوع في ''سباق الفئران'':
أولاً: على كل شخص الالتزام بالادخار وذلك بجعله أمراً تلقائياً وآلياً. وأفضل طريقة لذلك هي إعطاء تعليمات للبنك باقتطاع مبلغ ادخارك بشكل آلي وقت نزول الراتب كل شهر، والتعامل مع المبلغ المتبقي كما لو كان هو دخلك الكامل. وستفاجأ بالمبلغ الذي يمكنك ادخاره في فترة زمنية قصيرة.
ثانياً: انتهاج سياسة ''ادخار المزيد في الغد'' وهي الالتزام ليس فقط باقتطاع مبلغ من دخلك اليوم، بل أيضاً بزيادة تلك النسبة مع أي زيادة مستقبلة في الدخل. فعلى سبيل المثال، الشخص الذي يوفر 5 في المائة من دخله اليوم يمكنه أن يلتزم يزيد نسبة ادخاره بنسبة 2 في المائة إضافية (على سبيل المثال) مع كل زيادة مستقبلية في دخله. هذا يعني أن معدل ادخاره سيزداد مع كل زيادة في الدخل، مع إمكانية زيادة الإنفاق في الوقت ذاته. والمهم هنا هو القيام بالتعديل والالتزام به مباشرة بعد أي زيادة في الدخل قبل أن تتأقلم عادات المرء الإنفاقية مع مستوى الدخل الجديد.
ثالثاً: بإمكان الشركات وأصحاب العمل مساعدة موظفيها لتحقيق هذه الأهداف بإنشاء البرامج الادخارية للموظفين بما يتوافق مع النقطتين الواردتين بعاليه. وذلك لأن الشركات والمؤسسات عادة ما تكون أكثر عقلانية وحسماً من الموظف نفسه الذي قد يؤجل القيام بذلك بمفرده أو يسوف فيه. كما يمكنها وضع المحفزات لانضمام الموظفين لهذه البرامج (كالمساهمة بجزء من مدخرات الموظف). إذ أن استثمار الشركات في مساعدة موظفيها بتحقيق الادخار وراحة البال عادة ما يكون أقل تكلفة عليها من المساومة عليه عندما يكتشف أنه لم يدخر بما فيه الكفاية ويبدأ رحلة تحسين وضعه المعيشي باحثاً عن عروض مالية أفضل.
أشكر الكاتب على المقال الجيد ، وإتفق معه فى بعض جزئياته وإختلاف معه فى بعضها ، أقول فعلا الجرى وراء تغيير الوظيفة من أخرى الى أخرى من أجل الزيادة والادخار بصورة مستمرة ربما تؤدى بالشخص الى مسار أضيق لم يكن فى الحسبان ، بيد أن تحسين الأوضاع والطموح الى تنمية القدرات والمهارات يكتسبها الشخص من وظيفة الى لآخرى ، لكن الإختلاف هنا يكمن فى نظرة الشخص للوظيفة الجديدة والثقة التى يتمتع بها ربما لا توافقه رغم الزيادات والمميزات الإضافية ، المسألة تختلف من شخص لاخر .
يعطيك العافية ... طريقة جميله في الادخار لكن المشكلة عندنا بالمثل السائد ((( اصرف مافي الجيب ،، يجيك مافي الغيب)))!!!!
مقال رائع بروعة اسلوب الكاتب