اقترحوا ما شئتم من الصناديق ولكن الرجاء عدم حشر (او التعلق بنصيب) اجيالنا القادمة فنصيبهم ليس حصّالة (وكأنهم قصّار لن يبلغوا سن الرشد) تحت وصاية عفريت تسيّره تلاعب وخسائر وافلاس الشركات الأجنبية، وتقلبات اقتصاديات وتغيير أنظمة الضرائب ومراقبة الشعوب والحكومات المضيفة لا سيطرة لنا عليها، وانما نصيب أجيالنا كجميع اجيال شعوب العالم (مواطنون راشدون) من حقهم ان يعيشوا في وطنهم يبنون بسواعدهم تنمية حقيقية تضمن لهم ولأجيالهم جيلا بعد جيل حياة سويّة.
من أجل توضيح الصورة سنلقي لمحة سريعة على تطور فكرة انشاء الصندوق الأحتياطي لدينا. ثم نستعرض ونقارن ثم نقرر اي نوع من الصناديق يتفق مع اقتصادنا الريعي.
من أجل احقاق الحق ان اول من طالب بإنشاء صندوق صناعي (ليس سيادياً) للاستثمار المباشر في الصناعة محليا بأيد وطنية هو اول مقال لي في جريدة الرياض (قبل الاثنتي عشرة سنة) وبعد اسبوعين تقريبا من نشر المقال ناقش مجلس الشورى موضوع انشاء الصندوق أيّده الدكتور الثنيان والمهندس القحص وعارضه المهندس اسامة كردي بحجة وجود صناديق متعددة لدينا منها صندوق الاستثمارات.
وكتبت بعد ذلك موضحا بإيجاز اختلاف الصندوق الصناعي الذي أعنيه عن الصناديق الأخرى. ثم على فترات متفرقة طالب العديد من الكتاب لدينا (ربما عن سوء فهم) بما سموه صندوقا سياديا للأستثمار في الخارج (اسوة بصندوق الكويت للأجيال القادمة).
ثم – على حد علمي – قدم الاكاديمي المعروف الدكتور ماجد المنيف اقتراحا لمجلس الشورى بإنشاء صندوق احتياطي لم يكن في الاساس يحتوي على عبارة الاجيال القادمة بل هو اقرب الى وضع نظام لتنظيم حساب الاحتياطي الحالي الذي تديره ساما منذ الطفرة الاولى ولكن بعض اعضاء محلس الشورى اجتهدوا فأضافوا عبارة الاجيال القادمة لدغدغة العواطف وإعطائه نوعا من الشعبية.
الذين تقدموا الآن باقتراح صندوق احتياطي سيادي للاستثمار في اصول خارجية ذات عائد مرتفع (على حد قولهم) للأسف الشديد اما انهم لا يعرفون معنى كلمة احتياطي واما انهم لا يعرفون مقدار العوائد (وبالتالي المخاطر) على الاصول التي قالوا انها ذات عائد مرتفع.
الصندوق الاحتياطي للحكومة الريعية (كالكفر الاحتياطي للسيارة) فعندما يحدث لسيارتك بنشر (عجز مالي) فجائي تستطيع ان تستخدمه كمنقذ (تحويله الى كاش) بأسرع وأقل الخسائر لا ان تضطر الى ان تنتظر الى ان تبيعه بثمن بخس فتفقد ليس ارباحه فقط بل حتى رأس المال.
أما اصول الصناديق السيادية التي قالوا ان عوائدها عالية فلا ادري ماذا يعنون بكلمة عالية فمن المعروف أن عوائدها الصافية (بعد خصم ضرائب الحكومات المضيفة) لا تزيد كثيرا عن الاستثمارات الآمنة الا بالفتات ناهيك عن المخاطر التي قد تذهب بكامل رأس مال تحويشة العمر.
العيب الكبير الذي يرتكبه أصحاب دعوات انشاء الصناديق السيادية انهم يقفزون على الحقائق قفزا فهم لا يقدمون دراسات (او معلومات موثقة) عن مكاسب الصناديق التي يستشهدون بها، فمثلا صندوق الكويت بدأ عام 1953 (قبل ستين سنة) ورغم ان الاضافات السنوية لصندوق الاجيال وحده (وهو جزء من الصندوق السيادي) كانت 10 % من ايرادات البترول والايرادات الاخرى، ثم تقرر رفعها الى 25 % ورغم ذلك لا يتجاوز صندوق أجيال الكويت ال: 260 مليار دولار فقط.
بينما لو كانت مودعة في حسابات آمنة على غرار ايداعات ساما ربما (تخميناً وليس دراسة) كانت أضعاف هذا المقدار.
نقلا عن الرياض