الريال والدولار والزواج الكاثوليكي

19/06/2014 16
م. برجس حمود البرجس

ارتباط الريال بالدولار الأمريكي وتحديد سعر الصرف بـ 3.75 ريال للدولار يثير الكثير من الجدل، وأصبح الكثير ينتقد سياسة "الريال"، فهناك من يطالب بفك الريال عن الدولار وتعويمه في السوق الدولي، وهناك من يطالب بربط الريال بسلة عملات، وهناك من يطالب تغيير سعر صرف الريال الثابت مقابل الدولار، وهناك من يطالب حتى ببيع النفط بالريال.

أكثر ما أصف ربط الريال بالدولار هو "زواج كاثوليكي"، واكتشفت أن هناك من سبقني بنفس الوصف، وهذا ما أراه الأفضل اقتصاديا وماليا، أن يبقى الريال مرتبط بالدولار الأمريكي. 

باختصار.. البقاء على تجارة النفط وعدم الدخول في الصناعات وتصديرها أيضا ساهم بقوة في البقاء على الربط،  وتغيير سعر الصرف وسلة العملات لا تناسب "الريال" في الوقت الحالي، وبقاء الريال مرتبط بالدولار يرفع من قيمة النفط حوالي 25%; وعند هبوط سعر الدولار بين الحين والأخر، يزيد الطلب على شراء النفط من دول شرق آسيا

فكرة تعويم الريال أو حتى علمة خليجية موحدة بدون الربط بإحدى العملات القوية (الدولار أو اليورو) أو حتى بدون ربطة سلة عملات، فكرة غير منطقية فالريال أو العملة الخليجية صغيرة جدا مقارنة بالعملات الكبيرة (الدولار الأمريكية، اليورو، الين الياباني، الجنية الاسترليني)، فالريال أو العملة الخليجية ستخسر الكثير والكثير من قيمتها، القيمة صغيرة ولا تتحمل المنافسة في الأسواق الدولية.

الريال مرتبط بالدولار الأمريكي لأن اقتصاد المملكة العربية السعودية هو النفط فأكثر من 90% من صادرات المملكة من النفط، وغالبية وارداتها بالدولار. فالنفط لا يمكن بيعه بغير الدولار حيث أن تداول النفط بالدولار في أمريكا وغيرها، فلو أردنا بيعه من خارج التداول الدولي، لا توجد له تسعيرة. في الحقيقة أن تداول النفط يثير الكثير من المخاوف من انقطاع الإمدادات، فبالتالي تجد سعر النفط مرتفع أكثر من قيمته الحقيقية، حيث أن قيمته الحقيقية السنتين الأخيرتين حوالي 70 إلى 80 دولار (حسب العرض والطلب) بينما مخاوف التداول والامدادات رفع من قيمته إلى معدل أكثر من 105 دولار، وهذا رفع من قيمة الريال بطريقة غير مباشرة.

أيضا، عند هبوط سعر الدولار مقابل عملات أخرى خلال السنة بين الفصول، نجد زيادة في الطلب على النفط من دول شرق آسيا (اليابان، كوريا الجنوبية، الصين، والهند).

بالنسبة لربط الريال بسلة عملات، هذا غير مجدي للريال في الوقت الحالي، فصادرات وواردات المملكة أكثر من تريليون و ثمانمائة مليار ريال، منها أقل 6% أو 7% باليورو. وأيضا حتى هذه الـ 7% بالمئة فهي في الغالب لا تعني اقتصاد البلد مباشرة (أي أنها لا تدخل أو تخرج من المالية أو النقد)، بل هي سلع تعني المستهلك مباشرة. أيضا، لا توجد للمملكة صناديق استثمارية للأجيال مثل الكويت وأبوظبي والتي تستثمر في أوروبا وأمريكا، ففي حالة الدينار الكويتي، هذه أحدى أسباب الربط بسلة العملات. 

تغيير سعر صرف الريال الثابت مقابل الدولار صعب جدا، فالمملكة ستخسر الكثير في البدايات، فالاستثمارات الخارجية في أمريكا بحوالي 2.7 تريليون ريال (720 مليار دولار) ستنخفض قيمتها إلى 2.5 تريليون ريال لو تم تغيير سعر الصرف إلى 3.5 ريال للدولار بدلا من 3.75، أو تنخفض إلى 2.16 تريليون ريال لو تم تغيير سعر الصرف الثابت إلى 3.0 للدولار.

والأهم من هذا أن مبيعات النفط اليومية ستنخفض 600 مليون ريال إذا تم تغيير سعر الصرف الثابت إلى 3.0 ريال للدولار بدلا من 3.75، بما أننا نبيع البرميل بـ 107 دولار فبدلا من ضربه في 3.75 سنضربه في 3.0، وهذا بالتأكيد سيؤثر على دخل المملكة.

قد يكون سعر صرف الريال الثابت مقابل الدولار مجدي (للمستهلك) فبدلا من دفع 75 ألف ريال قيمة سيارة أمريكية قيمتها 20 ألف دولار، سيدفع المستهلك فقط 60 ألف ريال فيما لو تم تغيير سعر الصرف إلى 3.0 بدلا من 3.75، ولكن المالية ومؤسسة النقد لن تنظر للمواطن أكثر من دخل الدولة والاستثمارات والميزانيات والمصروفات.

هناك عدة تجارب لكثير من الدول حاولت تعويم العملة والطباعة دون مقابل (مثل الأرجنتين وزمبابوي)، أو بيع النفط بعملات أخرى أو بالذهب (مثل إيران)، وكلها تجارب فشلت وكبّدت تلك الدول خسارة كبيرة. الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم لازال يربط عملته القوية بالدولار مع سلة عملات أخرى، ويغيّر السياسة كثيرا في السلة حيث أن وضعه يختلف عن كثير من الدول، فصادراته غالبيتها إلى أوروبا وأمريكا وتعاني الصين كثيرا من التضخم.

أخيرا، سياسة "الريال" الأفضل لها البقاء كما هي، وعلاجه من ناحية أخرى. وبدلا من التفكير في قيمة الريال، علينا استثمار الريال وإدارته في المكان المناسب بدلا من ضخه في مشاريع متعثرة وفساد، وعلينا استثمار الريال في بناء صناعات متقدمة وتقنيات كخطوة أولى لبدائل النفط.

نقلا عن الجزيرة