سكن العرسان

17/06/2014 0
د. إحسان بوحليقة

مشكلة الإسكان دولية. هذا ما بينه صندوق النقد الدولي مؤخراً، وأن ارتفاع أسعار المساكن وإيجارها يمثل تحديا أمام دول العالم بطرق متنوعة لكنه يلف المشهد في الشرق والغرب.

والاقرار بأن تحدي الإسكان هو تحد دولي، يريحنا من جانب ويتعبنا من جانب آخر؛ فكون أن دولاً ثرية أخرى تعاني ارتفاع ثمن المساكن وسعر تأجيرها يعني أننا لسنا الوحيدين، ومن جانب آخر فإننا نملك فرصة لعلاج المشكلة، وهذا ما تسعى وزارة الإسكان لعمله ومعها صندوق التنمية العقارية وانطلاقة الرهن والتمويل العقاري. 

لكن ندرك جميعاً أن الوقت له أهمية حرجة، فالأرحام ولادة، وفي بلادنا، لم يتوقف قط الحديث عن الإسكان لا سيما فيما يتصل بعامل الوقت؛ وتحديداً أنه ليس لدينا عدد كاف من الوحدات وليس لدينا تمويل متاح لكل من يحتاج لسكن. وبعيداً عن الخوض في الماضي، فمن تسلم الدفعة الأولى هذه الأيام من صندوق التنمية العقارية يكون قد انتظر عشر سنوات منذ أن تقدم بطلبه.

وهذا وقت طويل ليس بوسع أي أسرة ناشئة انتظاره ريثما تتملك بيتها الأول. فعملياً سيكون البيت الأول هو "الشقة الايجار" فإن افترضنا أن إيجارها 24 ألفاً، فهذا يعني ألفي ريال شهرياً، أي ربع دخل شاب راتبه 8 آلاف.

وخلال فترة الانتظار - باعتبار أنها عشر سنوات - سيدفع ما مقداره 240 ألف ريال، إن لم يضطر لاستئجار شقة أكبر تحت ضغط زيادة عدد أفراد الأسرة، فمن يتزوج في عمر الخامسة والعشرين، ويستأجر شقة صغيرة (غرفتين وصالة) لتكون سكناً له ولزوجته، ليس مستبعداً أن يصبح عدد أفراد أسرته ستة أشخاص، ولن تكفي غرفة واحدة الأطفال الأربعة، أي انه سيدفع أكثر من 24 ألفاً سنوياً.

وقت الانتظار هذا يجب أن يُختصر، فيصبح اختصاره هدفاً وطنياً معلناً، فالهدف المعلن حالياً هو التعامل مع مشكلة السكن دون أي ربط بعنصر الوقت. 

فالأسرة الناشئة ستحتاج للإعانة في السنوات الأولى، ويمكن القول: إن السكن في شقة ملكا للشاب وعروسه ابتداء سيكون له وقع إيجابي كبير على الأسرة الجديدة.

فهي ستدفع قسطاً لبيت تملكه وليس أجرة لسكن لا تملكه، لكن ما العمل وسط الأعداد الكبيرة التي تراكمت على مدى العقدين الماضيين؟ 

لم لا يكون "سرى" الانتظار للحصول على قرض صندوق التنمية العقارية له مسارات متعددة ومتوازية، بحيث يكون أحدها للأسر الناشئة.

 فهذه تريد سكناً اقتصادياً صغيراً يقيها دفع الايجار لما لا يقل عن عشر سنوات ريثما تستحق القرص (بافتراض أن الحال سيستمر مستقبلاً). 

هكذا، ستنعتق الأسر الشابة من الايجار بما يحسن أوضاعها المعيشية، وهذا "المنتج" المقترح أن يطرحه صندوق التنمية العقارية يمكن أن يتاح فقط لمن هم دون الثلاثين. 

وبالطبع سيكون على المتقدم تقديم معلومات يمكن للصندوق التثبت من أحقية الشاب في "قرض العرسان".

النقطة هنا أن علينا وضع شبابنا على "سكة" الاستقرار الأسري والتكوين الاقتصادي في بداية حياتهم الأسرية، وتوفير مسكن ملك مبكراً سيكون حجر الزاوية في سبيل تحقيق ذلك، فنحن نقدم له الحافز ليتبنى مفهوم الادخار والاستثمار في آنٍ معاً.

فالمسكن الصغير سيكون بمثابة الحصالة، وسيدرك الشاب أن ما يملكه ليس فقط الثوب الذي يلبسه، بل كذلك مسكناً، وفوق ذلك بالإمكان تحفيزه للجد والاجتهاد، ليتمكن من امتلاك بيت أكبر خلال السنوات المقبلة، من خلال منتجات أخرى، سواء عبر إعادة الرهن أو ما يحققه الشاب من نجاح مادي في مقبل الأيام.

أما أن نستمر في جعل الجميع ينتظرون عشر سنوات، فهذا أمر بحاجة إلى اختبار وتمحيص، بقصد إيجاد طرق تريح شبابنا من الانتظار.

فالمساعدة لها معنى وقت الحاجة لها، و"الفزعة" هي الفزعة السريعة وليس تلك التي تتطلب انتظار عشر سنوات! 

وليس القصد هنا - لا من قريب أو بعيد ولا بصورة مباشرة أو غير مباشرة - القول: إن الأمر بسيط. 

فالمنطلق ليس سهولة أو صعوبة المقترح بقدر النظر فيما يمكن أن يقدمه المجتمع للأسر الناشئة؛ فهي تملك القليل من المال وأمامها قائمة طويلة من الطلبات والتطلعات، والمجتمع يريدها أن تكون مستقرة وسعيدة ومتحفزة. 

وإن كنا ننظر الى من يحتاج الدعم والعون، فسنجد أن كل التحاليل ستأخذنا نتائجها للأسر الناشئة، لذا فالأولوية يجب أن تذهب لها دونما استثناء. 

 

بالإضافة لما تقدم، فان تعجيل إطلاق قرض إسكان "العرسان الجدد" سيدفع الشباب للاستقرار عبر العمل والزواج، ويكون أمامهم فرصة لإنشاء "عش الزوجية" ملكا وليس إيجارا يستنزف جيبه أولاً بأول.

نقلا عن اليوم