وزارات البترول والمالية والتخطيط.. المنعطف الخطير

17/06/2014 6
د. جون سفاكياناكيس

في الأسبوع الماضي، تلقيت بكل سرور دعوة لإلقاء محاضرة في مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية. وهذه هي زيارتي الثانية لهذا المركز الذي يُعدُّ أوّل وأكبر مركز أبحاث مستقل أسسته المملكة.

ولا يُجري هذا المركز أبحاثاً في مجال الطاقة على صعيد المملكة العربية السعودية وحسب، إنما على صعيد العالم بأسره.

وبما أن المملكة عضو فعال في المجتمع الدولي، فإنه من الحيوي أن يكون لديها رؤى عالمية حول العديد من الموضوعات الاقتصادية والجيو - إستراتيجية.

في مركز الملك عبدالله للدراسات والبحوث البترولية، يُجري حوالي 40 باحثاً من كلّ القارات تقريباً، أبحاثاً مهمة حول العديد من الموضوعات المتعلقة بالطاقة.

وتمتاز أبحاث هذا المركز بالشفافية وينبغي على العديد من الجامعات السعودية أن تحذو حذو هذا المركز في مجال الشفافية. تحتاج المملكة إلى مراكز أبحاث ودراسات فكرية على مستوى عال وهذا ما سنتطرق له في الاسبوع القادم بحول الله. 

محاضرتي كانت حول مستقبل المملكة الذي يتطلّب معالجة التحدي المتمثل بتزايد الاستهلاك المحلي للطاقة، بالإضافة إلى معالجة قضايا العمل وتنويع الاقتصاد.

وأنا أرى أن تحدي الاستهلاك المحلي المتزايد للطاقة ينبغي أن يكون جزءاً من خطة شاملة لمستقبل البلاد بعد عشرين عاماً.

وكالمعتاد، العمل والتخطيط الاقتصادي الذي يعتمد على الطاقة بشكل مكثف لا يخلقان فرص العمل الكافية للمواطنين.

وما لم تتم إعادة هيكلة طريقة تسعير واستهلاك الطاقة في المملكة، فإن النتيجة النهائية ستكون كارثية حينما يبقى القليل من الطاقة للتصدير.

ولا ننسى أنه بالرغم من كل الحديث عن تنويع الاقتصاد منذ اكثر من اربعة عقود من الزمن، إلا أن النفط ما زال يمثّل90%  من إجمالي إيرادات الدولة.

لكن تراجع صادرات النفط بسبب ازدياد الاستهلاك المحلي للطاقة سيؤدي، في النهاية (لا قدر الله)، إلى انخفاض الإيرادات المتوفرة لإدارة البلاد!!

هناك نقطة أخرى تتعلّق بالنقطة الواردة أعلاه ولكنها متوارية خلف أسعار النفط المرتفعة والنمو الاقتصادي المرتفع خلال العقد الماضي. وتتمثل هذه النقطة بغياب الزيادات الكبيرة في معدّل الدخل الحقيقي للفرد وعدم حدوث تغييرات كبيرة في الإنتاجية.

فقد ازداد إجمالي الناتج المحلي الحقيقي للمملكة بنحو 31% بين عاميّ 2001 و2009، مدفوعاً بشكل رئيسي بأسعار النفط العالمية المرتفعة منذ مطلع عام 2000. لكن معدل دخل الفرد ازداد بأقل من 1% خلال الفترة الآنفة الذكر، وذلك بسبب طبيعة مجمل السياسات الاقتصادية والتنموية.

كذلك ظلت الإنتاجية منخفضة، فبين عاميّ 1990 و2012، بلغ معدّل النمو الحقيقي للقطاع غير النفطي 5,1%، لكن العمالة (لا سيما الوافدة) ورأس المال كانا أكبر مساهميْن في النمو، بينما كانت مساهمة الإنتاجية الأدنى على صعيد هذه العناصر الثلاثة. ولكي يكون الاقتصاد متوازناً، يتعيّن على الإنتاجية أن تكون أحد أكبر المساهمين في النمو.

ولكي تزداد الإنتاجية، لا بد من زيادة الاستثمارات في الابتكارات والمهارات وتحسين التقنيات وتشجيع الأعمال الحرّة وتعزيز القدرة التنافسية.

ويحتاج القائمون على التخطيط الاقتصادي السعودي إلى التفكير في الوسائل التي تمكنهم من تنويع الاقتصاد عبر خلق المزيد من الوظائف للسعوديين، مع الالتزام بخفض استهلاك الطاقة، إذ ليس من المجدي تماماً أنْ تخلق وظائف جديدة مع الإبقاء على استهلاك الطاقة المتزايد وتراجع في التنويع الاقتصادي. لذا، فإن هذا التحدي ليس سهلاً ويتطلّب الكثير من الصبر، بالإضافة إلى الإرادة السياسية الحاسمة. 

ينبغي على أيّ تخطيط مستقبلي أن يشتمل على الانتقال إلى مصادر الطاقة المتجددة؛ الطاقة الشمسية وطاقة الرياح بشكل أساسي.

وفي ظل غياب أي قرار حقيقي بشأن الطاقة الشمسية وطاقة الرياح المتجددة على نطاق البلاد ككل، فإن التحدي سوف يظل قائما مع استمرار نمو الاستهلاك المحلي للطاقة بمعدلات مرعبة.

إنّ المملكة اليوم أمام منعطف ضيق وخطير ولا بد من اتخاذ قرارات صعبة، كما أن الوقت عامل حاسم ولن يكون في صالح المملكة دائما.

نقلا عن اليوم