مثّلت عائدات النفط الضخمة خلال العقد الماضي نعمة كبيرة بالنسبة للمملكة العربية السعودية. وفيما ازدهر اقتصاد البلاد بفضل عائدات النفط المرتفعة، تم إهمال الحاجة إلى الإصلاحات الإدارية الجوهرية في الحكومة، خصوصاً في قطاع الخدمات العامة.
ولا نظير للقدرات الإدارية التي تتمتع بها شركة أرامكو السعودية ولا حتى في منطقة الخليج وما وراءها.
إذاً، ما أسباب نجاح شركة أرامكو عامةً في إنجاز مشروعات البنية التحتية الكبيرة خاصةً، مثل مدينة الملك عبدالله الرياضية في جدة وجامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية ومشروع تصريف السيول في جدة واخيراً مساعدة وزارة الصحة للحد من فيروس كورونا؟
ولماذا لا تستطيع الوزارات والمؤسسات الحكومية أن تتبنّى النموذج ذاته؟ يبدو أنّ مستوى الثقة الممنوح لشركة أرامكو على صعيد إنجاز المشروعات الكبيرة لم يُمنح إلى أي كيان آخر!!
الحقيقة إن أرامكو منظومة شاملة ومتكاملة وتعتمد أجهزتها وإداراتها كل منها على الآخر على عكس ما هو حاصل في القطاع الحكومي خصوصاً في عدم مرونة النظام المالي والإداري.
ويدير معظم الوزارات المعنية بقطاع الخدمات مسؤولون يحملون شهادة الدكتوراه. لكن درجة الدكتوراه لا تعزز قدرة أي شخص على إيجاد الحلول وصياغة السياسات في بيئة بيروقراطية حافلة بالتحديات. والمطلوب في الغالب هو مهارات إدارية مثبتة وليس مقاربات نظرية لحلّ المشكلات!!
هنا، آمل ألا يُساء فهمي: إن الدكتوراه درجة قيّمة للغاية وضرورية لأيّ مسيرة أكاديمية وعلمية لكنّها ليست شرطاً مسبقاً لكي يكون المرء مديراً أو قائداً ناجحاً في الحكومة.
ويبدو أن هناك هوساً بحملة درجات الدكتوراه ومغالاة بإمكاناتهم في أغلب الأحيان. لذا، فإن معظم الوزراء المعنيين بقطاع الخدمات يحملون درجات الدكتوراه!!
والأسوأ من ذلك هو حقيقة أن نوّاب وكلاء الوزارات يقدمون مذكرات للوزراء بدون طرح وجهة نظرهم وتوصياتهم!!
مع أنه ينبغي عليهم أن يكونوا مؤهّلين تقنياً لكي يكونوا أكفاء، إلا أنهم يتبعون سياسة عدم المقاومة [للوزراء]. وهذا يسمح للوزراء بالبتّ في جميع المهمات والقرارات الرئيسية. لذا، فإنه من الضروري إصلاح طريقة اتخاذ القرارات على مستوى الوزراء ونوّابهم، كما ينبغي على بقيّة القطاع العام أن يعمل على أساس «مؤشرات الأداء الرئيسية».
ولا بد من الإشارة إلى أنّ القطاع العام ينتفخ ويتوسع بصورة مستمرة ومخيفة. ولو استخدمنا بيانات مصلحة الإحصاءات العامة والمعلومات التي استندت إلى دراسات ميدانية لسوق العمل منذ عام 2011، لوجدنا أن نسبة 43% من إجمالي الوظائف التي تم توفيرها للسعوديين كانت في القطاع العام. وتم تخصيص نحو 34,8% من الإنفاق العام للباب الأول للميزانية (الرواتب والأجور).
ويشير الاتجاه العام إلى أن القطاع العام سيستمر في توظيف المزيد من السعوديين؛ لكنْ إلى أي مدى يمكن الاستمرار في هذا النهج؟ وبمجرّد توظيف المواطنين السعوديين في القطاع العام، فإنه من شبه المستحيل تسريح أيٍّ منهم. ومن دون زيادة الإنتاجية، سيظل الاقتصاد معتمداً على النفط والمعطيات المتوافرة مثيرة للقلق.
ففي الحقيقة، ازداد معدّل دخل الفرد خلال الفترة الممتدة من عام 2000 إلى عام 2009 بواقع 281 ريالاً فقط!!
كما أن إنتاجية الفرد في جميع القطاعات– باستثناء قطاع الثروة المعدنية– ظلّت منخفضة. ولا بد من زيادة الإنتاجية في القطاع العام عبر إدخال مؤشرات الأداء الرئيسية. وهذا ما ينطبق على القطاع الخاصّ أيضاً لأنه يعتمد بشدّة على العمالة الوافدة لتحقيق أرباح كبيرة. بالتالي، ينبغي على الإنتاجية أن تزداد بشكل ملموس في القطاع الخاص أيضاً.
وتمثّل مؤشرات الأداء الرئيسية إحدى وسائل التقييم الدوري لأداء المنظمات ووحدات الأعمال وفروعها وأقسامها والعاملين فيها. ومع أن مؤشرات الأداء الرئيسية ليست الطريقة المثالية لتقييم أداء المؤسسات، إلا أننا نحتاج للبدء من مكان ما.
وفي الوقت الراهن، يتمثّل معيار الأداء الوحيد في القطاع العام بمدى التزام الموظّف بدوام العمل أي وقت الدخول والانصراف. وهناك بعض الموظفين الذين يعملون بجدّ في القطاع العام لكنّهم يميلون في الغالب، إلى سدّ الفراغ الناجم عن الأعداد الكبيرة من الزملاء غير الأكفاء.
وهناك حاجة إلى تشكيل هيئة مستقلّة ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء وتكون مسؤولة عن مؤشرات الأداء الرئيسية للحكومة، التي تقيس أداء كل وزارة ومؤسسة بشكل فصلي. ولا بد من الاتفاق المسبق على طبيعة مؤشرات الأداء الرئيسية بين رئيس مجلس الوزراء وجميع الوزراء ورؤساء المؤسسات الحكومية.
من مهام هذه الهيئة أن تقيّم جميع موظفي القطاع العام عبر تقييم أدائهم، ثمّ ينبغي عليها إطلاق عملية استبدال أصحاب الإنتاجية المنخفضة في المراكز الإستراتيجية، بأصحاب الإنتاجية المرتفعة في المراكز الأقل أهمية من الناحية الإستراتيجية.
وتوجد حالياً وحدة صغيرة مسؤولة عن قياس مؤشرات الأداء الرئيسية وتعمل تحت إشراف معهد الإدارة العامة، لكن هذه الوحدة تحتاج إلى الاستقلالية لكي تكون فعالة.
وفي النهاية، ينبغي إطلاق برنامج شامل ومفصلي لإصلاح القطاع العام من أعلى الهرم إلى أسفله إذا كانت المملكة تريد أن تصبح اقتصاداً رائداً ومتميّزاً.
نقلا عن اليوم
مقال في الصميم ......نعم لدينا في السعودية ....مشكلة هائلة ....في قضية الانتاجية ... بكل جوانبها ...و على كل المستويات سواء كقطاعات أو ادارت او الافراد ..........و هذه من اكبر مشاكلنا لذا المخرجات هزيلة للغاية ...بينما نحن نملك في الحقيقة قدرات هائلة في التقدم و الانجاز .....لكنها معطلة و من اكبر اسباب تعطيلها هو غياب ( الانتاجية) سواء كفمهوم أو وعي أو كقرار و شرط ملزم للجميع ..كقياس عادل لتقييم كل القطاعات و القيادات و الافراد -----------------------( اتمنى من الكاتب الكريم أن يخصص إحدى مقالاته القادمة في : الاهمية القصوى للتحول للحكومة الالكترونية في جميع القطاعات و مردودها الايجابيا على كل المستويات علميا وامنيا و اجتماعيا و تقدما ..)
طالما ان العقاب للموظف الغير منتج ليس موجود في القطاع العام فلن يتطور... فهذا يتعذر بالخروج من العمل لأجل توصيل الاولاد او الزوجه من والى المنزل وغير ذلك من الاعذار الواهيه