يعد الفحم الحجري مصدر الطاقة الأول - بلا منازع - فى الصين فلقد شكل عام 1970م حوالي 50% من اجمالي مصادر الطاقة وارتفعت هذه النسبة الى 61% عام 1990م، ثم ارتفعت الى 70% فى عام 2012م، حتى أصبح مستوى التلوث يشكل قلقاً للمواطنين الصينيين وحتى عند دول الجوار.
وبدأت الصين تنتبه الى أهمية الغاز الطبيعى كمصدر مثالي ونظيف لتوليد الطاقة.
فلقد ارتفع استهلاكها للغاز فيما بين عامي 2012م و2013م بأكثر من 25% ويتوقع ان يرتفع هذا العام بأكثر من 10%.
وأصبحت مستوردا رئيسا للغاز الطبيعي من تركمانستان وكازخستان، كما تستورد الغاز المسال من قطر واستراليا واليمن.
وتعد روسيا وقطر حالياً أكبر مصدري الغاز الطبيعي بالعالم، وفى المستقبل القريب ستصعد كل من استراليا والولايات المتحدة ليصبحا ثالث ورابع أكبر موردي الغاز الطبيعي.
وتملك روسيا أكبر احتياطى للغاز الطبيعى في العالم وتنتج سنوياً حوالى 600 بليون متر مكعب.
ولقد استهلكت روسيا العام الماضى حوالى 420 بليون مترمكعب، كما تسيطر على كثير من الغاز المنتج فى جمهوريات الاتحاد السوفيتى السابق.
وتزود روسيا اوروبا بربع احتياجاتها من الغاز الطبيعى، ولقد وصلت كمية الغاز الروسى المصدر الى اوروبا العام الماضى الى حوالى 163 بليون متر مكعب يمر حوالى نصفها باوكرانيا، ويمر النصف الآخر بروسيا البيضاء وتحت مياه بحر البلطيق والبحر الاسود.
وتقدر الارباح الصافية من تصدير الغاز الروسى الى اوروبا بحوالى 50 مليار دولار سنوياً، وتعتبر من أهم مصادر الدخل الروسى الى جانب عوائد تصدير النفط.
وفى المقابل تقوم قطر بتصدير ما قيمته 100 بليون متر مكعب من الغاز الطبيعى سنوياً وتخطط استراليا والولايات المتحدة لتصدير ما قيمته 80 بليون متر مكعب لكل منهما سنوياً بعد أقل من خمس سنوات.
اذاً تستطيع الصين الحصول على الغاز الطبيعى بعد خمس سنوات من أحد هذه البلدان.
وبسبب القرب الجغرافى بين أكبر مصدر للغاز الطبيعى في العالم (روسيا) والصين فقد بدأت المفاوضات بينهما من أجل استيراد الغاز عام 1997م، لكن كانت تفشل بسبب عدم الاتفاق على السعر.
وبسبب المشاكل الحالية بين روسيا والغرب واقتراب تصدير امريكا كميات كبيرة من الغاز المسال، يبدو ان الروس قد تنازلوا قليلاً من أجل الفوز بالسوق الصينى قبل مجئ الامريكيين بناقلات الغاز المسال العملاقة وهذا ما جعل بوتين يقول: «قبلنا الحل الوسط».
ولقد وقعت شركة غازبروم الروسية مؤخراً مع شركة البترول الوطنية الصينية عقداً يمكن وصفه بالتاريخى من حيث الكمية والمكانة الاستراتيجية والتوقيت. وستقوم بموجبه روسيا بتصدير حوالى 40 بليون متر مكعب من الغاز سنوياً الى الصين ولمدة 30 سنة.
أي ان روسيا ستصدر الى الصين حوالى 6% من انتاجها الحالى وحوالى 24% من الكميات التى تصدرها الى اوروبا، أي أصبح للروس مخارج جديدة للغاز.
بلاشك لن تستطيع اوروبا الاستغناء عن كل الغاز الروسى، لكن اذا أراد بعض الدول ذلك فلن يلوي ذلك ذراع روسيا.
وقد ترفع روسيا انتاجها لتغذية الطلب الصينى بعد الانتهاء من تشييد الانابيب اللازمة لنقل الغاز الذى تقدر قيمته بـ «400» بليون دولار.
ويتوقع ان تنفق غازبروم 50 بليون دولار على تشييد محطات وخطوط أنابيب التصدير الى الصين.
وتعد الصين سادس أكبر منتج للغاز الطبيعى فى العالم ورابع أكبر مستهلك له، إذ أنتجت حوالى 110 بليون متر مكعب واستهلكت حوالى 150 بليون متر مكعب. وبالطبع فان الصين تستورد حالياً الفرق وهو حوالى 40 بليون متر مكعب من عدة دول.
ويبدو واضحاً ان الصين تريد ان تضاعف وراداتها من الغاز الطبيعى للتقليل من حرق الفحم الحجرى.
اذاً الصفقة الروسية ستلبي كثيراً من الطلب الصينى المتنامي على الطاقة وهى تقارب الكمية التى تستوردها الآن من الخارج فى تخطيط صينى رائع وتقدير للكميات التى تريد استيرادها من الغاز بمنتهى الدقة.
ورغم ان النمو الصينى المتسارع للطلب على الغاز الطبيعى، إلا انه لا يشكل إلا حوالى 5 % من مصادر الطاقة المستهلكة فى الصين.
وتعتبر الصين ثالث أكبر مستورد للغاز الطبيعى المسال الذى تصل أسعاره فى فصل الشتاء الى قرابة 18-20 دولارا للمليون وحدة حرارية، وفى فصل الصيف تقترب أسعاره من 16-14 دولارا.
وتبيع روسيا الغاز لاوروبا بحوالى 12 دولارا للمليون وحدة حرارية أي أقل من أسعار الغاز المسال بحوالى 30%.
لا شك في ان الغاز الصخرى الامريكى يعد منافساً للغاز الروسى، لكن من الغريب ان تقوم بكين بالتوقيع على هذه الصفقة دون المقارنة بما هو متاح.
وتقدر قيمة الغاز الامريكى -الذى يمكن ان يكون بديلاً، وصولاً الى الصين - بحوالى 12-14 دولارا للمليون وحدة حرارية وهى تكلفة 5 دولارات، بالاضافة الى تكاليف التسييل والنقل الى الصين والتأمين.
ويبدو ان اوروبا واليابان قد عقدتا العزم على الاعتماد على الغاز الصخرى الامريكى ومحاولة الافلات من قبضة روسيا التى قرأت المشهد بذكاء وقدمت تنازلات لبكين جعلتها توافق على هذه الصفقة وفى هذا الوقت العصيب من الشد بين الغرب وروسيا، لكن من المهم معرفة السعر الذى تم الاتفاق عليه.
الاكيد ان هذا السعر مرتبط بأسعار النفط العالمية على أساس المليون وحدة حراراية، لذلك لا بد ان تكون أسعار الغاز المتفق عليها بين الصين وروسيا ما بين 8-10 دولارات للمليون وحدة حرارية، لان هذا هو الحل الوسط الذى يرضي الطرفين.
لا شك في ان الصين تملك احتياطيات هائلة من الغاز الصخرى الذى يبدو انه عصي على الانتاج بسبب الكثير من المصاعب اللوجيستية والتقنية.
وفى ظل حاجة الصين الماسة للغاز تطفو هذه الصفقة كإحدى أهم الصفقات فى تاريخ تجارة الغاز الطبيعى.
ورغم ان كميات الغاز المتفق عليها بين الصين وروسيا ليست كبيرة مقارنة بما تصدره روسيا لاوروبا أو ما تصدره قطر، إلا انه لو تمت هذه الصفقة دون مشاكل أو الغاء - كما حدث فى صفقات أخرى - فان روسيا - بلا شك - قد نجحت فى تقديم نفسها كقوة يحسب لها الف حساب.
تصدرت الولايات المتحدة دول العالم من ناحية انتاج الغاز الطبيعى، وستصبح امريكا قريباً من أكبر خمس دول بالعالم فى تصدير الغاز أي أنها فى منافسة مباشرة مع روسيا مرة أخرى.
يبدو ان المستقبل سيشهد تنافساً كبيراً بين روسيا وامريكا فى تجارة الغاز الطبيعى، وقد تنعكس آثارها على بعض المواقف السياسية.
نقلا عن اليوم
الصين أمنت امدادات طويلة جدا مع روسيا وتركمانستان التي تعتبر المصدر الاكبر للغاز الى الصين حتى مع دخول روسيا كمورد رئيسي للصيين حجم التوريدات السنوية الروسية 38 مليار متر مكعب لن تبدأ قبل عام 2022 وقبل ذلك 5 سنوات بدءا من 2018 سيتم توريد 16 مليار متر مكعب للصين وخلال هذه السنوات الممتدة قامت الصين بتوقيع اتفاقيات مماثلة مع تركمانستان لاستيراد اكثر من 60 مليار مكعب من الغاز التركماني الى الصين وذلك بعد اكتمال خط جديد للانبوب الحالي الممتد من (تركمانستان – اوزبكستان – كازاخستان – الصين) الخط الجديد سيكون قادرا على نقل 30 مليار متر مكعب من الغاز سنويا والانبوب الحالي العابر للدول ينقل حوالي 25 مليار متر مكعب سنويا تقريبا تركمانستان صدرت للصين في عام 2013 حوالي 24.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي ومع اكتمال الخط الجديد للانبوب الحالي ستكون تركمانستان قادرة على نقل 60 مليار متر مكعب الى الصين وحسب خطط تركمانستان فانها تستهدف رفع صادراتها السنوية من الغاز إلى 180 مليار متر مكعب بحلول عام 2030
مقال رائع د. سليمان ومداخلة أستاذ بدر مثرية جدا. لاحظن تحركات كبيرة جدا في منطقة وسط آسيا, المنطقة بدأت تزدهر بوجود ثروات طبيعية ضخمة وهامش نمو أقتصادي عالي. الصين الأن تبني قطار يقطع المنطقة بالكامل, وروسيا تحدث قطار سيسبريا العضيم وتحدث السكة الحديدة. قد يكون هذا سبب من محاولة جلب أيران وأنفتاحها للمعسكر الغربي. وربما ايضا أن أمريكا تريد توجيه كامل تركيزها للشرق وغلق ملف الشرق الأوسط. الصين تتحرك بأستراتيجية, وترويضها للعناد الروسي سيصب في مصلحة الطرفين, وعالم متوازن كما نتمنى.