أرامكو والاستثمار

27/05/2014 1
د. إحسان بوحليقة

كمواطن سعيد بالدور المتنامي لأرامكو السعودية لخدمة المجتمع من حولها، وكما ندرك فإن مفهوما للمسئولية الاجتماعية للشركات قد اتسع وأصبح جزءاً من مفهوم أوسع وهو مفهوم الاستدامة، أي كيف تحافظ الشركة على استدامتها على المدى الطويل، بل إن هذا المفهوم - كما سبق أن أشرت في هذا الحيز - اتخذ نمطاً مؤسسياً له قواعد وممارسات مقننة، ستجدها مجسدة في التقارير السنوية للشركات الرائدة، التي لم تعد تقتصر على ملخص الملخص عن أنشطة الشركة وقوائمها المالية، وتزدان بصور براقة لأعضاء مجلس الإدارة يرسمون بابتساماتهم العريضة الاطمئنان للمساهمين، بل غدت التقارير أشمل لتجعل من مساهمة الشركة في محيطها اجتماعياً وبيئيا واقتصاديا أمراً غاية في الأهمية، كما أنها تضع لمواردها البشرية وتطويرها والاستماع لها موضعاً مميزاً في التقارير السنوية المتكاملة.

نعود لأرامكو، التي تتحدث بإسهام عن الاستدامة في تقاريرها السنوية الأخيرة، كما أن ذلك يتضح من موقعها على الانترنت.

ولن أكرر ما هو معروف من دور أرامكو الاجتماعي - الاقتصادي، مما هو معروف لنا جميعاً، ولا ننسى أن الدور الاجتماعي الذي دأبت أرامكو على ممارسته، يشمل كذلك التعليم والصحة كذلك، بمعنى في صلب الاهتمامات، ولا يقتصر على لمسات للدعاية وترويج الذات.

منطلقة من ممارسات متراكمة بدأت قبل أن يتدفق أي برميل للنفط، حيث لا يمكن أن ننسى أنها حققت في الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي، ما لم تستطع الكثير من شركاتنا أن تحققه في وقتنا الراهن من حيث استقطاب المواطنين للعمل.

ولا ننسى كذلك أنها منذ البداية كانت أرامكو في «النطاق الأخضر» بل الماسي من حيث نسبة السعودة، صحيح أنها بدأت منذ نهاية الثمانينيات تتجه للتقاول (outsourcing) مع شركات لجلب موارد بشرية، ولكن بعد أن أصبح اقتصادنا قائما على العمالة الوافدة.

وبعد أن دخلت أرامكو معترك تنفيذ المشاريع العملاقة والاشراف عليها لصالح المجتمع، ومن ذلك جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية والمدينة الرياضية، على سبيل المثال لا الحصر، وما أخذنا نسمع عنه من إشراكها في تجهيز مراكز للعزل التنفسي في نواحٍ عدة من المملكة، نجد أنها تبادر في مساندة جهود المؤسسات الحكومية في جهودها في تحقيق التنويع الاقتصادي المنشود.

ولن يتسع المجال لتعداد الكثير من الأمثلة، لكني أكتفي بمثالين اثنين فقط؛ الأول داخلي والثاني خارجي وأكثر حداثة.

فقط أصرت أرامكو أن تكون شريكاً استراتيجياً عندما قررت غرفة الأحساء عقد منتدى الأحساء الثالث للاستثمار، ولم يقتصر دعمها على الجوانب المالية بل كانت شراكة بتجنيد فريق مؤهل ليحقق المنتدى أهدافه باحترافية واقتدار.

أما خارجياً، فقبل أيام عقدت الهيئة العليا للاستثمار منتدى للاستثمار في لندن، وفي تقديري فإن «نفس» أرامكو كان حاضراً بقوة في هذا المنتدى، عبر وقوف المحافظ وفريقه على التفاصيل الدقيقة وعلى الترتيبات، مما جعل المنتدى مميزاً شكلاً وموضوعاً.

أقول هذا وقد تابعت هذه المنتديات لسنوات بحكم عضويتي في مجلس الأعمال السعودي البريطاني، وأقول هذا رغم شكوكي الكبيرة عن اقبال البريطانيين للاستثمار، إذ يبدو أن اهتمامهم الأول والأكبر هو في الحصول على عقود لتنفيذ مشاريع.

هذا رأيي، ولا يتسع المجال هنا لعرضه بأي تفصيل. ولعل من أهم الجلسات التي تبرز تميز جدول أعماله، الجلسة التي تناولت برنامج التوازن.

بالنسبة لي، برنامج التوازن من حيث وجوده كحقيقة على الأرض أقرب ما يكون لـ»بيض الصعو»، يعني نسمع فيه ولا نلمسه، وسيدافع المدافعون بتعداد عدد قليل من المشاريع والشراكات على مدى زمني امتد عقوداً، وهو أداء بعيد مسيرة أعوام عن أن يكون مرضياً.

ولا شك أن الحاجة أكثر من ماسة لتحريك هذا البرنامج، الذي بوسعنا - نحن السعوديين - لوم الشركة البريطانية العملاقة لعدم حماسها لتنفيذه، وهو أمر مؤسف حقاً، لكونه برنامج التوازن الرائد عالمياً من حيث الانطلاق والبدء، لكنه بقي «خديجاً» لم يحبُ بعد حتى بعد أن بلغ من العمر عتياً.

ووجود أرامكو في هذا المنتدى كان مميزاً بالفعل، حيث سعت جاهدة لاستقطاب المشاركة البريطانية على أعلى مستوى في عالم المال والأعمال، وتأكيداً لذلك فقد تواجد مسؤولوها وبحماس.

وجود أرامكو أحدث فرقاً في هذا المنتدى، وسيحدث فرقاً لدفع جهد التنويع الاقتصادي والسعي لاستقطاب التقنية والموارد البشرية الخبيرة والمعرفة التسويقية والتشغيلية من شتى أنحاء العالم، والسبب أنها شركة تملك الخبرة العالمية ولا تتحدث عنها فقط، ومن يمتلكون الخبرة العالمية هم رجال ونساء من أديم هذا الوطن يحملون في ضمائرهم مهمة الارتقاء به والسعي لجلب الأفضل لمواطنيهم؛ فهم أهلهم وذووهم.

نقلا عن اليوم