خلال الأشهر الأربعة الأولى من كل عام تشهد أسواق المال في المنطقة خمس مناسبات تساهم في تدفق معلومات جوهرية تعادل ضعف المعلومات التي تنشر خلال بقية العام، وهذه المواسم تتضمن إفصاح الشركات عن نتائج أعمالها عن فترة الربع الأخير من العام الماضي والتي تحصل عادة خلال شباط (فبراير)، إلى جانب الإفصاح عن نتائج العام الماضي بأكمله خلال شباط وآذار (مارس)، وإفصاح الشركات عن قراراتها في ما يختص بتوزيع الأرباح السنوية سواء الأرباح النقدية أو الأسهم المجانية، وانعقاد الجمعيات العمومية السنوية للشركات سواء الجمعيات العمومية العادية أو غير العادية، وخلال نيسان (أبريل) من كل عام يفصح عدد كبير من الشركات عن نتائج أعماله عن فترة الربع الأول من العام.
ويلجأ مديرو المحافظ الاستثمارية وكبار المستثمرين عادة إلى إعادة ترتيب محافظهم الاستثمارية خلال هذه الفترة استناداً إلى المعلومات الجوهرية التي جرى الإفصاح عنها سواء المتعلقة بأداء الشركات خلال العام السابق أو خلال الربع الأول من العام الحالي والتي تعكس كفاءة إدارات الشركات ومجالس إداراتها، إضافة إلى بعض المعلومات المهمة التي يجري الإفصاح عنها خلال انعقاد الجمعيات العمومية من قبل بعض مجالس إدارة الشركات.
ويصح الأمر نفسه على نسبة مهمة من المستثمرين التي تهتم بنسب الأرباح السنوية التي توزع على المساهمين باعتبارها تمثل دخلاً سنوياً لهم يغطي جزءاً مهماً من نفقاتهم، فيما يلجأ بعض كبار المستثمرين إلى إعادة استثمار جزء من الأرباح الموزعة في الأسواق.
والنمو السنوي في هذه التوزيعات والذي يعكس نمو ربحية الشركات يساهم عادة في الإقبال على شراء أسهم هذه الشركات وبالتالي ارتفاع أسعارها السوقية، علماً بأن الانخفاض الكبير في سعر الفائدة على الودائع، خصوصاً على العملات الخليجية باعتبارها مرتبطة بسعر صرف الدولار، إضافة إلى انخفاض مستوى التضخم، ساهما في تعزيز أهمية الأرباح النقدية الموزعة.
وخلال هذا العام لوحظ إقبال للمستثمرين والمضاربين على شراء أسهم الشركات التي توزع أسهماً مجانية على مساهميها في ظل الارتفاع الكبير في أسعار أسهم الشركات، ما أدى إلى ارتفاع العائد الاستثماري.
ونتيجة ارتفاع كمية المعلومات الجوهرية التي يجري الإفصاح عنها خلال الثلث الأول من كل عام وحجمها، ترتفع قيمة التداولات خلال هذه الفترة وبالتالي تحاول هيئات الأوراق المالية رفع مستوى كفاءة البيئة الاستثمارية والمساهمة في إنضاج قرارات المستثمرين وترشيدها من أجل تسهيل احتساب الأسعار العادلة لأسهم الشركات المدرجة من خلال حض الشركات المدرجة على الالتزام بالتوقيت المناسب للإفصاح والتركيز على جودة هذا الإفصاح من أجل تحقيق العدالة والشفافية لشرائح المساهمين والمستثمرين كلها ومن أجل عدم استغلال المعلومات الداخلية من قبل المطلعين.
ويساهم ضعف الشفافية في خلق بيئة خصبة للإشاعات ما يؤثر سلباً في كفاءة الأسواق وسمعتها وارتفاع أخطارها وبالتالي يلحق الضرر بالاقتصاد الوطني، فيما يتحاشى الاستثمار الأجنبي الاستثمار في أسواق منخفضة الشفافية والإفصاح لصعوبة معرفة الفرص الاستثمارية والأسعار العادلة واختيار التوقيت المناسب للشراء والبيع.
وتروج مقولة ان ارتفاع كفاءة الإفصاح ومستواه يمثلان روح السوق بينما تمثل التشريعات المنظمة لهيئات الأوراق المالية والأسواق المالية وأنظمة التداول الإلكترونية والمقاصة والتسوية جسد السوق، ففيما تركز شريحة مهمة من صغار المستثمرين والمضاربين على قيمة الأرباح المحققة عند إفصاح الشركات عن نتائج أعمالها، يركز الاستثمار المؤسسي والأجنبي على جودة الإفصاح ومدى تضمنه كل المعلومات والبيانات والمؤشرات والتوضيحات التي تساعد المستثمر في احتساب القيمة العادلة لأسهم الشركات.
ويلاحَظ، مثلاً، اهتمام الاستثمار المؤسسي في شكل واضح خلال السنوات الماضية ونتيجة التأثيرات السلبية للأزمة المالية العالمية، بمؤشرات السيولة والتدفقات النقدية في ظل تشدد البنوك في منح القروض وتوقف أسواق المال عن توفير السيولة للشركات نتيجة التراجع الكبير في مؤشرات أدائها، إذ أدى غياب السيولة أو انخفاضها إلى تعثر العديد من الشركات وتوقف أعداد كبيرة من الشركات عن تنفيذ مشاريعها.
ويلاحظ اهتمام الاستثمار المؤسسي بموضوع الإفصاح عن تقويم الأصول لجهة الأسس والمعايير للتأكد من الحيادية والمصداقية الخاصتين بالجهات التي جرى الاعتماد عليها عند التقويم، خصوصاً تقويم المنتجات العقارية مثل الأراضي والأبنية.
ويتحاشى الاستثمار المؤسسي والأجنبي الدخول في أسواق لا تفصح فوراً عن أي معلومات جوهرية توافرت لديها بينما يستغل المطلعون من أعضاء مجالس الإدارة والإدارة التنفيذية هذه المعلومات ويحققون مكاسب أو يتجنبون خسائر قبل نشر هذه المعلومات التي لها تأثير مهم في الوضع المالي للشركات وتطورات أدائها في المستقبل وبالتالي في حجم الطلب والعرض في السوق، مثل الاستحواذ على حصص من شركات أخرى، أو الاندماج في شركة أخرى، أو بيع أصول كبيرة أو شرائها، أو اكتشاف منتج جديد يساهم في تعزيز ربحية الشركات، أو استقالة مدير تنفيذي أو بعض أعضاء مجلس الإدارة لأسباب تتعلق بالشركة، أو خفض التصنيف الائتماني للشركة.
وفي الوقت الذي نلاحظ تطور مستوى الإفصاح والشفافية في العديد من أسواق المنطقة خلال هذه الفترة فإننا في المقابل نلاحظ استمرارية ضعف مستوي الشفافية لدى العديد من الشركات على رغم التعليمات والقوانين والأنظمة التي وضعتها هيئات الأوراق المالية والتي تهدف إلى تعزيز الدور الذي تلعبه الأسواق المالية في الاقتصاد الوطني في ظل استثمار شريحة مهمة من المستثمرين أموالهم ومدخراتهم في هذه الأسواق.
نقلا عن الحياة