نُخطئ عندما ننظر إلى إيرادات النفط على أنها عوائد عملية إنتاج يمكن تمويل الإنفاق الحكومي بها بشكل مباشر، فهي لا تعدو أن تكون عملية تسييل لأصل طبيعي نملكه ونحتفظ به في باطن الأرض.
ونحن عندما نموّل الإنفاق الحكومي بإيرادات النفط، نكون كمن باع أصلاً عقارياً مثلاً، وبدلاً من إعادة استثمار قيمته قرر إيداعها في حساب بنكي ينفق منها على احتياجاته، بينما التصرف الأمثل في مثل هذه الحالة، وكما نعرف جميعاً، هو في أن يعيد استثمارها في أصول بديلة ويموّل احتياجاته المالية بجزء من عوائد هذا الاستثمار، والذي سيضمن له قدرة أكبر على تأمين احتياجاته على مدى أطول بكثير.
ووفق هذا المنظور فإن زيادة إنتاجنا النفطي نتيجة نمو الطلب العالمي على النفط لا تُمثّل وضعاً إيجابياً يمكن أن يكون لدينا رغبة في المحافظة عليه، وهو مجرد تسريع لعملية تسييل هذا الأصل الطبيعي ينتج عنه بالضرورة مزيد من الإنفاق الاستهلاكي في ظل عدم وجود قواعد ملزمة تضمن تحويله إلى أصول أخرى ذات عوائد مجزية.
ونحن في مثل هذه الحالة أشبه بصاحب العقار الذي يقرر زيادة إنفاقه الشهري بسحب مبلغ أكبر شهرياً من حسابه البنكي، والذي يعني فقط استنزافاً أسرع لرصيده ومن غير المنطقي اعتباره تحسناً في مستوى دخله.
وهنا يأتي الأثر الإيجابي لتزايد إنتاج النفط الصخري، ففي ظل نمو الطلب العالمي على النفط ومحدودية قدرة معظم الدول المنتجة للنفط التقليدي على زيادة إنتاجها أصبحت المملكة نتعرض لضغوط قوية لزيادة إنتاجها، ما يجعلنا في وضع مماثل لوضع صاحب العقار الذي قرر زيادة معدلات إنفاقه الشهري سحباً من رصيده البنكي..
فمثل هذا النمو في معدلات إنتاجنا النفطي لا يعدو كونه استنزافاً متسارعاً لاحتياطياتنا النفطية، أو مزيداً من الإنفاق الذي نموّله ببيع قدر أكبر من أصولنا الطبيعية.
في مثل هذا الوضع تتحقق مصلحتنا على المدى الطويل بتخفيض إنتاجنا إلى أقل قدر ممكن وبما يتناسب مع احتياجاتنا المالية الضرورية، لا أن يوجد ضغوط علينا تجبرنا على زيادة إنتاجنا فيقل عمر احتياطياتنا النفطية ونصبح غير قادرين على تفعيل دور القطاعات الأخرى في اقتصادنا فيستمر اعتمادنا المبالغ فيه على قطاع النفط.
دول الموارد الطبيعية التي نجحت في تفادي مثل هذا الوضع تمكنت من ذلك من خلال عدم السماح بتمويل الإنفاق الحكومي من إيرادات تلك الموارد بشكل مباشر، فوضعت قواعد تضمن تحويلها إلى أصول أخرى يمول الإنفاق الحكومي بجزء من عوائدها، أي أن هذه البلدان قد نجحت في تحوير عملية إنتاج الموارد الطبيعية الناضبة من مجرد عملية تسييل لأصل ناضب إلى عملية تنويع في الأصول.
على سبيل المثال، في النرويج تُودع كامل إيرادات النفط في صندوق النفط الذي أصبح اسمه الآن صندوق التقاعد للتأكيد على تخصيص موجوداته لمواجهة الاحتياجات المستقبلية للنرويج، حيث تُستثمر موجودات الصندوق في أسواق المال العالمية ولا يسمح للحكومة بسحب أكثر من 4% من إجمالي موجودات الصندوق لتمويل الإنفاق الحكومي سنوياً، وهذه النسبة تمثِّل العائد المتوقع على استثمارات موجودات الصندوق في المدى الطويل .. ما يعني أن أصول الصندوق، أي إيرادات إنتاج النفط، لا تنفق مباشرة وما يتم إنفاقه هو فقط جزء من عوائد إعادة استثمارها، ما يسمح بنمو موجودات الصندوق مع الزمن والذي يوفر تمويلاً طويل المدى للإنفاق الحكومي حتى بعد نضوب النفط، وهو أمر مستحيل التحقيق عندما يموّل هذا الإنفاق باستخدام إيرادات النفط بشكل مباشر.
عدم امتلاكنا لقاعدة مالية مماثلة يعني أن الوسيلة الوحيدة لتجنب مزيد من التسييل لأصولنا الطبيعية، مع كل ما يترتب على ذلك من إنفاق حكومي مبالغ فيه وضغوط تضخمية وزيادة في معدلات الهدر المالي، هو في أن نجد أنفسنا مضطرين إلى تخفيض إنتاجنا النفطي.
وفي ظل الظروف الحالية والمتوقعة لسوق النفط العالمية فإن هذا لن يكون ممكناً دون حدوث توسع كبير في إنتاج النفط الصخري، الأمر الذي جعلنا وعلى عكس ما قد يعتقده البعض من أكبر المستفيدين من ثورة النفط الصخري.
نقلا عن الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع
صح لسانك يا دكتور وبصراحه كلام من ذهب.
ياسلام فكرة الأصول وتسييلها فكرة من ذهب بالفعل هي اصل يباع ويصرف علينا فيه والمفترض إعادة استثماره
صح لسانك وقلمك يا دكتور ... النفط الصخري والاكتشافات الجديدة في افريقيا هي نعمة من الله لنا تستحق الشكر وليس الخوف...مقال مميز.
اتفق مع الدكتور في انه لايمكن الاعتماد على ايرادات انتاج النفط لتمويل الانفاق الحكومي ولكن استخدام النرويج كمثل امر غير منطقي وذالك لان النرويج كبقية الدول الغربية تعتمد على الضرائب في المقام الاول لتمويل الانفاق الحكومي وتشكل الضرائب اكثر من ٤٢٪ من اجمالي الناتج المحلي وتمثل ايضا اكثر من ٩٠٪ من دخل الدولة بعكس السعودية والتي تنقلب فيها الاية فالقطاع النفطي يشكل ٥٠٪ من اجمالي الناتج المحلي ويمثل اكثر من ٩٢٪ من دخل الدولة. ولذالك ما تقوم به النرويج مناسب لوضعها الاقتصادي فهي لاتحتاج لايرادات النفط لتمويل الانفاق الحكومي فتقوم باستثمار هذه الايرادات في اسواق المال العالمية من خلال صندوقها السيادي وهذا ما لا ينطبق ابدا على السعودية التي تعتمد كليا على ايرادات النفط في تمويل الانفاق الحكومي.
طيب يادكتورنا العزيز دولتنا حفظها الله تقوم باستثمار جزء كبير من عائد النفط في انشاء المدن الصناعية الجاري انشائها حاليا بشكل مكثف وانشاء وسائل النقل من سكك حديدية وطرق واسعة وغيرها وانشاء الجامعات التي مستقبلا سيكون نتاجها المورد البشري المتعلم المهني الذي فعلا سيكون لبلادنا ان شاء الله مورد لاينضب وانشاء المصانع والشركات واخرها شركة الاستثمارات الصناعية التي اعلن عنها قبل اكثر من شهر وانشاء مراكز البحوث فماذا نسمي هذا ، اليس افضل بكثير من الاحتفاض بمواردنا تحت الارض وسيأتي يوما ونرى اغلب طاقة الارض من المصادر المتجددة والطاقة الشمسية ولذلك نرى الدولة تنشئ مدينة كاملة للطاقة الذرية والمتجددة
واستثمار اموالنا في صندرق استثماري كالنرويج او مثل صناديق دول الخليج غيرنا ليس قرار صائب وانما ماتفعله دولتنا هو القرار الصائب كما اراه وان شاء الله ان امد الله اعمارنا وقريبا سنرى مدننا الصناعية تنتج كل منتجات الحضارة من السيارة مروراً بالكمبيوتر حتى مركبات الفضاء ان شاء الله وان غداً لقريب
النرويج ليست مثال يحتذى به.. ذلك أنها تحتاج إلى إصلاحات هيكلية شاملة..
كلام جميل يا دكتور.. ولكن هل نملك القرار بخفض الأنتاج مثلا للحدود التى تغطي حاجتنا... أن نستطيع اقناع المواطن بدفع ضرائب كما خي في النرويج وسط تردى الخدمات؟؟ الوضع كما تفضلت يا دكتور ولكن النرويج او الاسكا او تشيلي ليست امثلة يحتذى بها بل نحتاج نظرية اقتصادية جديدة نستطيع الاعتماد عليها في تسيير اقتصادنا ووضع سياسات اقتصادية ناجعة وحديثة لتجنب اي ازمات مستقبلا خصوصا في ظل اعتماد على سعر نفط غير مضمون ومتذبذب تاريخيا. سلمت وسلم من يقرا