تكتسي الشركات الصغيرة والمتوسطة بالغ الأهمية بالنسبة للنمو الاقتصادي وتوفّر من 60% إلى 70% من إجمالي الوظائف، في معظم دول منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية. وتبلغ هذه النسبة أعلى مستوياتها في إيطاليا واليابان، بينما تُعَدُّ منخفضة نسبياً في الولايات المتحدة.
وتتراوح مساهمة الشركات الصغيرة والمتوسطة في القيمة المضافة الكلية لإجمالي الناتج المحلي من 60% في الصين، إلى 57% في ألمانيا، إلى 55% في اليابان، وإلى 50% في كوريا الجنوبية.
أما في المملكة العربية السعودية، فإن الشركات الصغيرة والمتوسطة تساهم بنحو 33% من إجمالي الناتج المحلي وتستوعب حوالي 25% من القوى العاملة.
وتتكون غالبية القوى العاملة في الشركات الصغيرة والمتوسطة السعودية من العمالة الوافدة. وفي خطاب ألقاه في ندوة «المنشآت الصغيرة والمتوسطة» التي نظمها المعهد المصرفي في الربع الرابع من عام 2010، أصاب محافظ مؤسسة النقد العربي السعودي، حينذاك، محمد الجاسر، عندما حدد سبب المشكلة التي تواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة والاقتصاد السعودي بشكل عام.
إذ قال: «إن سبب المساهمة المتواضعة للشركات الصغيرة والمتوسطة في إجمالي الناتج المحلي السعودي يمكن إرجاعه إلى ضخامة قطاع النفط والقطاع العام، اللذيْن يمثلان المحرّك الرئيسي للنشاط الاقتصادي في المملكة».تجدون كامل الخطاب في الرابط التالي http://www.sama.gov.sa/News/Pages/GovernerSpeechSAMEL.aspx
وعلى الصعيد العالمي، لا يمكن المقارنة بين الشركات الصغيرة والمتوسطة مع نظيراتها السعودية في مجال توفير الوظائف الجديدة، خصوصاً في البلدان التي سجّلت معدلات مرتفعة في محال التوظيف.
فقد أظهرت ورقة أعدّها البنك الدولي أن المعدّل العالمي لمساهمة الشركات الصغيرة في توفير الوظائف الجديدة يتراوح من 4-10 أضعاف مساهمة الشركات الصغيرة السعودية في توفير الوظائف الجديدة.
ولن تحقق الخطة الخمسية السعودية التاسعة مجدّداً هدفها الأهم، وهو: خفض معدل البطالة، الأمر الذي يعني أن التخطيط الاقتصادي ممارسة غير مجدية. فقد استهدفت الخطة الأخيرة خفض معدّل البطالة من 10,5% في عام 2010، إلى 5% بحلول عام 2013. لكنّ الإحصاءات الأخيرة (2013) أظهرت أن معدّل البطالة ارتفع إلى 11,7%.
وسيساعد دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة في إعادة هيكلة الشركات الكبيرة من خلال تحديث المجمّعات الصناعية. كما أن الشركات الصغيرة والمتوسطة تكبح احتكار الشركات الكبيرة وتوفّر لها خدمات مكمّلة، وتحدُّ من آثار تقلّبات أي اقتصاد معاصر.
وتستطيع الشركات الصغيرة والمتوسطة توليد منافع مهمة في مجال خلق قاعدة صناعية ماهرة وصناعات قائمة على أساس الابتكار، بالإضافة إلى تطوير قطاع خدمات كفء وقادر على المساهمة في إجمالي الناتج المحلي من خلال تعزيز القيمة المضافة.
وهناك حاجة لوضع إستراتيجية وطنية واضحة لتطوير قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة وإلى إنشاء هيئة مستقلة، ترتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء، مسؤولة عن هذا القطاع وقابلة للمساءلة، بالإضافة إلى اعتماد تعريف واحد للشركات الصغيرة والمتوسطة -وليس أربعة تعريفات حتى اللحظة!!، على أقل تقدير.
وفي الوقت الراهن، هناك سبع مؤسسات تشارك في تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة، بالإضافة إلى البنوك التي تعمل من دون أيّ تنسيق يذكر.
إن عدم وجود مؤسسة تشرف بفاعلية على قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة يسهم في تفاقم هذه المشكلة، لأن حوالي 74% من هذه الشركات تقع في قطاعيِّ التجارة والبناء. فهذان القطاعان يولّدان قيمة مضافة منخفضة ويوفّران القليل من الوظائف للسعوديين. كما أن الحصول على التمويل يمثّل تحدياً آخر للشركات الصغيرة والمتوسطة السعودية.
ففي المملكة، تبلغ نسبة القروض الممنوحة إلى هذه الشركات 3% من إجمالي القروض المصرفية (البالغة 1,1 تريليون ريال سعودي)، بينما يبلغ متوسط هذه النسبة في الاقتصادات الناشئة الأخرى نحو 20%، وأكثر من 25% في الاقتصادات المتقدّمة.
وتمثّل الإجراءات البيروقراطية الطويلة والحصول على التراخيص مشكلة كبيرة أخرى تواجهها الشركات الصغيرة والمتوسطة السعودية.
وهناك مشكلة أخرى تتعلق بالحسابات لأن معظم الشركات الصغيرة والمتوسطة مملوكة لأفراد، الأمر الذي يحول في الغالب دون التمييز تماماً بين أصول هذه الشركات والأصول الخاصّة لمالكيها.
كما أن إيكال الأنشطة اليومية إلى مديرين أجانب يحدّ من إبداع مالكي الشركات الصغيرة والمتوسطة، ومن قدرة هؤلاء المالكين السعوديين على اكتساب المهارات الإدارية اللازمة. وطالما استمر تحقيق عائدات منتظمة من خلال أنشطة ذات أرباح منخفضة وجهد محدود من جانب المالك، فإن الإحجام عن الإبداع والمخاطرة سيظل واسع الانتشار.
لذا، فإن الوقت قد حان لكي يتخذ المجلس الاقتصادي الأعلى جميع الإجراءات اللازمة لإعادة هيكلة قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة في البلاد.
نقلا عن جريدة اليوم