قبل أن تستمر في قراءة المقال، أدخل فضلاً على موقع شركة "إنتل" العملاقة، وقلب صفحات تقريرها السنوي، ستجده مختلفاً نوعاً. الآن نستمر.
هناك مؤتمرات تعقد لبناء مفاهيم جديدة أو لتنمية الوعي العام في مجال متخصص، أما في الأسبوع المنصرم فقد عقد في مجلس الغرف مؤتمر حول استدامة الشركات ،شارك في تنظيمه بالإضافة للمجلس هيئة سوق المال والدار الاستشارية "تمكين".
وعلى الرغم من أن مفهوم الاستدامة عموماً هو مما نتحدث عنه كثيراً لكن نقوم بالقليل باتجاه تحقيقه، إلا أنه يبقى مرتكزا للاستمرارية.
ولعل البعض ينظر لقضية الاستدامة، بمفهومها التنموي العام أو الضيق المرتبط بالشركات، باعتباره فذلكة وترفاً، وعند التمعن قليلاً نجد أن من يحمل ذلك الانطباع يناقض نفسه؛ فكثير منا مهموم بموضوع استدامة اسرته الصغيرة أو الممتدة، ولذلك يسعى للاطمئنان - قدر المستطاع - على أجياله القادمة، مما يدل على أن قضية الاستدامة هاجس لنا في حياتنا الخاصة، فكلنا يرفض، ولو باللسان، مقولة "أنا ومن بعدي الطوفان".
وحيث إن "الاستدامة" تقوم على الاستمرارية عبر الأجيال حتى لا يفسد جيل سابق من فرص التنمية والنمو والازدهار لجيل لاحق، فاستدامة الشركات يقوم على استمرارية هذه الشركات من باب الأخذ بالأسباب ضمن الشركة وخارجها، بل إن مفهوم استدامة الشركات أعم وأشمل من الأفكار الجزئية التي طالما دندنا عليها وكان مردودها محدوداً كمفهوم المسئولية الاجتماعية.
وهذا لا يعني مطلقاً ان المسئولية الاجتماعية للشركات أصبحت من تراث الماضي، بل إنها أصبحت جزءا من كل أشمل وأعمق.
ولا بد من بيان أن عدداً محدوداً من الشركات السعودية المدرجة في السوق قررت انتهاج الاستدامة، وذلك باستيعاب هذه الوظيفة في هيكلها التنظيمي، ومن الأمثلة الرائدة في هذا السياق شركتا سابك وصافولا، فقد انعكس ذلك جلياً في تقاريرهما السنوية الأخيرة.
فماذا عن البقية؟ وماذا عن اتباع مجتمع المال والأعمال في المملكة لمفهوم الاستدامة؛ بمعنى هل يترك الأمر تطوعياً أم تصدر به لوائح وتعليمات؟ تمهيداً للإجابة، فمفيد التذكير بأن الانتشار الحالي لمفهوم الحوكمة يعود الفضل فيه لدرجة كبيرة لجهود هيئة السوق المالية، التي طرحت لائحة الحكومة وطلب من الشركات المدرجة اتباعها استرشادياً، ثم أخذت الهيئة وبالتدريج بالتأكد من اتباع الشركات لمواد تلك اللائحة على وجه التحديد من خلال جداول تبرر للتفاوت بين أوضاع الشركة ومتطلبات لائحة الحوكمة، ووجدنا بعد ذلك أن العديد من البيوتات التجارية والشركات غير المدرجة أخذت تتبع لائحة الحكومة تطوعياً للاستفادة من المزايا التي تقدمها للممارسات السائدة في الشركة، والحرص على تمايز الأدوار بين القوى المؤثرة في الشركة كمجلس الإدارة والإدارة التنفيذية على سبيل المثال لا الحصر.
ولعل من المفيد التدبر في الدروس المستفادة من تجربة تطبيق مفاهيم الحوكمة لتعميم مفاهيم استدامة الشركات، ومنها تطبيق مفهوم التقارير المدمجة أو المتكاملة بما يعزز الإفصاح من جهة، ويبين جهود الشركات - من خلال تقريرها السنوي - للعديد من القضايا ذات الصلة بتوظيفها للموارد وعنايتها بها بما في ذلك مواردها البشرية، واهتمامها بالبيئة المحيطة بها على صعد متعددة تستوعب أدواراً ضرورية منها المسئولية الاجتماعية.
وتحديداً، فلعل من المناسب أن تتضافر جهود وزارة التجارة والصناعة باعتبارها القيمة على تطبيق نظامي الشركات السعودي وهيئة السوق المالية، للدفع بإطلاق لائحة لاستدامة الشركات، تطبق على مراحل؛ بأن تطبقها هيئة السوق المالية على الشركات المدرجة والشركات المرخصة من قبلها.
ولعل من المفيد أن تتولى الجهات ذات التأثير في قطاعات اقتصادية تطبيق تلك اللائحة في الشركات العاملة ذات الصلة، كأن يطلب صندوق الاستثمارات العامة من الشركات التي يشارك بها أن تمارس أسس الاستدامة وأن تعدّ تقاريرها السنوية وفقاً لمعايير الإفصاح المتبعة، وذات الأمر بالنسبة للمؤسسات الحكومية وللشركات الحكومية وشبه الحكومية دونما استثناء، كشركة المياه على سبيل المثال.
وبالقطع ستستفيد بنوكنا التجارية من اتباع أساسيات الاستدامة والافصاح من خلال تقارير متكاملة، فلعل ذلك يجيب عن سؤال لطالما طُرح حول دورها في الاقتصاد والمجتمع.
نقلا عن جريدة اليوم