منذ زمن بعيد في عمر الدول والتخطيط للتنمية المجتمعية فيها ونحن نسمع عن "تفكير" عميق وجدي لتأسيس هيئة مستقلة للأوقاف في وطننا العزيز.. إلا أن ذلك لم "يتعد" مرحلة "السماع فقط"! وقد كنت أنتظر صدور قرار بتدشين أعمال الهيئة "المأمولة" وتكوين جهازها الإداري وهيكلها التنظيمي ذلك أن توجيها ساميا كان قد صدر قبل فترة بعيدة حول أهمية تأسيس تلك الهيئة في ظل تنامي الحاجة الماسة لها لكنني فوجئت بأن مجلس الشورى في جلسته الماضية يناقش أمورها وأنظمتها مما يعني أنها لا تزال حبيسة أدراج الدراسة والبحث والمراجعة!
ويقدر المتخصصون والمهتمون بالوقف في وطننا العزيز إجمالي أصول قطاع الأوقاف بالمملكة بما يزيد عن تريليون ريال .. وعلى الرغم من ضخامة المبلغ "وضعف" آليات التعاطي معه مما يجعله "عبئا" أكثر من كونه موردا إيجابيا إلا أنني أعتقد جازما أن هناك ما يزيد عن هذا المبلغ أيضا عبارة عن أوقاف فردية تحتاج الدعم وكثيرا من المساندة الوطنية.. ويعتقد كثيرون "وأنا أحدهم" أن نسبة كبيرة من الأوقاف في وطننا يمكن أن يطلق عليها "أوقاف سالبة" وهذا يعني أنها أوقاف بلا مردود اقتصادي مجد، على الرغم من أننا نعد من الرواد في المسألة الوقفية حتى على المستوى الفردي حيث كان أجدادنا يوقفون مزارعهم ومعظم أملاكهم ..
ومع كل هذا وذاك وبنظرة اكثر تفاؤلية فإنني أتأمل في سرعة إنجاز مجلس الشورى والجهات ذات العلاقة لتنظيم الهيئة والإسراع في بناء هيكليتها وتحديد آليات عملها التي يجب أن تتمحور حول ثلاثة مرتكزات أساسية في نظري يتمثل أولها بالعمل على حصر الأوقاف الحالية "لتطمس" ما يمكن أن نطلق عليه أوقافا مجهولة كما يتمثل المحور الثاني في العمل على تقييم تلك الأوقاف وتنفيذ استثمارات وتطوير لمردودها الاقتصادي الفردي والمجتمعي كما يتمثل المحور الثالث في العمل على تطوير آليات نظارة الوقف والعمل على بث برامج توعوية تثقيفية بأهمية الوقف وكيفية تخصيصه وإدارته..
هذه المليارات التي يمكن أن توصف بأنها "جامدة اقتصادياً" تحتاج من المخططين في وطننا العزيز إلى تفعيل إيجابي سريع يتعامل مع السرعة التي نعيشها في كل مناحي الحياة ولا يقبل "التراخي" أو التسويف مطلقا بحيث يتحول "الوقف الخيري" إلى مورد اقتصادي مجتمعي ضخم يمكنه المساهمة في خدمة الكثير من قضايا التنمية المجتمعية في وطننا العزيز كما أننا يجب أن نتوسع في مسألة الوقف الخيري كما كان عليه أسلافنا فلا أحد ينسى الأوقاف التي كانت تخصص للمستشفيات ومساكن للمرضى ومرافقيهم وأوقاف للأيتام والفقراء والمعوزين.. بإمكان الوقف الخيري أن يرتبط "في حال حسن إدارته وتنظيمه" بكل مناحي حياتنا ولعل البداية تكون بتخصيص أوقاف خيرية للجمعيات الخيرية النشطة بمناطق المملكة المختلفة والمستشفيات ومراكز الأبحاث والجامعات وما شابهها.. ودمتم
نقلا عن جريدة الرياض