تهدف التشريعات المالية إلى توفير المناخ الملائم لكافة الأعمال التجارية مع تهيئة البيئة والإجراءات القانونية المطلوبة لتمكين هذا القطاع الحيوي من الانعتاق ثم الانطلاق.
وفي الوقت الحاضر تتوفر القوانين المالية الخاصة بتأسيس الشركات والشراكات والوكالات، مع تناول كيفية إدارتها وزيادة رأسمالها وتوزيعه واستثماره وطرق الاندماج والتملك، وغيره من المسائل القانونية المؤسسية الضرورية.
تتناول هذه التشريعات كذلك كيفية تصفية وحل الشركات، مع توضيح إجراءات الإفلاس أو الصلح الواقي من الإفلاس.
وكل هذه التفاصيل ذات أهمية بالغة للشركة وملاكها والجهات المرتبطة بها، غير أنه لا بد من القول بأن التشريعات المالية السارية في دولنا لا توفر بدائل قانونية لمساعدة الشركات في إعادة هيكلة الديون وتصحيح أوضاعها المالية قبل الدخول في مرحلة الإفلاس، إذا دعت الضرورة، وهذا في نظرنا يمثل فراغا تشريعيا كبيرا لا بد من العمل على سده حتى تكون منظومة التشريعات المالية متسقة وتقدم نسيجا قويا ومتكاملا لحماية العمل التجاري وضمان تطويره في نفس الوقت.
في كل الدول المتقدمة اقتصاديا، مثلا، نلاحظ أن القوانين تهتم بوضع الحلول المبدئية لإعادة هيكلة ديون الشركات نظرا لأن التعرض لبعض الصعوبات المالية يعتبر أمرا غير مستبعد ومن الممكن حدوثه في أي وقت والتجارة عرضة لهذا وذاك.
ولتحقيق هذا، تتضمن هذه القوانين تكوين «لجنة إعادة الهيكلة المالية» التي يكون من مهامها إدارة إجراءات إعادة التنظيم المالي عبر «قائمة» معتمدة لديها تضم خبراء في الشؤون المرتبطة بالهيكلة والإفلاس من محاسبين وقانونيين وفنيين.. (هناك جمعيات عالمية متخصصة تضم نخبا ممتازة من هؤلاء الخبراء).
ووفق القوانين فان إجراءات التنظيم المالي تهدف إلى تسهيل اتفاق رضائي يعقد خارج المحكمة بين المدين ودائنيه بمساعدة «خبير» من ضمن قائمة لجنة إعادة الهيكلة.
ويجوز لكل شركة تواجه صعوبات مالية، في ذلك الوقت أو المستقبل المنظور، أن تتقدم بطلب إلى لجنة إعادة الهيكلة لمباشرة إجراءات التنظيم المالي.
وبالقانون فان الشركة في هذه المرحلة لا تعتبر في حكم «المتوقف عن الديون».
وفي جميع الأحوال يجب تقديم مذكرة تتضمن وصفا لوضع الشركة المالي، بيانات مفصلة عن القوى العاملة، أسباب تقديم الطلب مع إرفاق الدفاتر التجارية والبيانات المالية للسنة السابقة لتقديم الطلب، تقدير الاحتياجات التمويلية للإيفاء بالتزاماتها التجارية خلال السنة التالية مثلا، مع التفاصيل التي توضح كيفية إعادة السداد… وغيره من المعلومات.
والقانون يعطي هذه المرحلة أهمية معينة ذات بعد زمني وقانوني ولذا لا يجوز للمدين الذي يخضع لإجراءات الصلح الواقي للإفلاس أو إشهار الإفلاس أن يتقدم بطلب لمباشرة إجراءات إعادة التنظيم المالي، لأنه تجاوز هذه المرحلة وتخطاها.
تقوم لجنة إعادة الهيكلة بمراجعة الطلب والمعلومات المقدمة وعليها اتخاذ القرار بالموافقة (المطلقة أو المشروطة) أو عدمها، والقرار نهائي وغير قابل للتظلم أمام أي جهة.
وتنفيذا للإجراءات وفور قبول اللجنة لطلب الشركة تقوم بتعيين «ممثل مستقل» من جدول الخبراء لتقديم المساعدة الفنية للشركة، وهذا الممثل يجب أن يكون خبيرا مستقلا يتمتع بالخبرة والكفاءة في مجال إعادة الهيكلة المالية والإفلاس ومهمته الأساسية المساعدة في التوصل إلى اتفاق الشركة «المدين» مع «الدائنين» لتسهيل استمرارية الأعمال.
وإجراءات إعادة التنظيم المالي تبدأ من تاريخ تعيين «الممثل المستقل» مع العلم أن التعيين يكون لمدة أو مدد محددة.
ويجوز للشركة أن تطلب تغيير هذا الممثل إذا لم يبرهن مقدراته الفنية المستقلة، أو في حالة أن وجوده سيؤدي إلى الإضرار بمصلحة الشركة.
ويجب على «الممثل» أن يقوم بمساعدة الشركة في تحسن وضعها الاقتصادي والمالي مع العمل الجاد للتوصل إلى اتفاق ودي بين «المدين» و»الدائنين» الرئيسيين لمساعدة الشركة في الخروج من أزمتها الاقتصادية أو اضطرابها المالي وعبر تقديم اقتراحات تهدف للمحافظة على كل الأعمال القائمة بما في ذلك الإبقاء على الموظفين.
ووفق القانون، فان تعيين «الممثل المستقل» يجب ألا يؤثر على قدرة المدين «الشركة» في متابعة إدارة أعماله بنفسه كما لا يجوز له التدخل في إدارة أعمال الشركة ما لم يحصل على موافقة مسبقة بذلك، ولا يجوز له إقالة أو منع المدين من مباشرة أي واجبات قانونية أو تعاقدية ناشئة عن مزاولة أعماله.
وتستمر إجراءات إعادة التنظيم المالي لتحقيق أهدافها على أن يتم رفع تقارير دورية للجنة، وهناك أمثلة كثيرة لنجاح حالات عديدة تم فيها مساعدة الشركات.
وقد يتم وقف الإجراءات في حالات معينة خاصة إذا توصل «الممثل المستقل» إلى أنه من المستبعد التوصل إلى اتفاق بين الأطراف وفي هذه الحالة عليه أن يقدم تقريرا إلى اللجنة لإصدار قرار إنهاء الإجراءات وتأمر اللجنة بذلك في حالة موافقتها على توصية الممثل.
وكما يحق للمدين أن يطلب إنهاء الإجراءات في حالة تيقنه من زوال الصعوبات المالية الحالية أوالمتوقعة. هذا كما تتوقف الإجراءات تلقائيا عند انتهاء مدة تعيين الممثل أو قبله إذا تم التوصل إلى اتفاق يتعلق بإعادة التنظيم المالي بين المدين ودائنيه، أو قد يكون انتهاء الإجراءات إلزامي وبشكل تلقائي خاصة إذا بدأ المدين في مباشرة إجراءات الصلح الواقي من الإفلاس أو إجراءات إشهار الإفلاس في أي وقت.
إن تضمين القانون لهذه الإجراءات فيه إلزام وجوبي يجب على الجميع التقيد به، وكما ذكرنا فإن هذا البديل والمرحلة ساعدت الكثير من الشركات في تجاوز الصعوبات المالية بفضل المساعدة في المفاوضات والمعونات الفنية التي يوفرها القانون للشركات… ومن هذا تتمكن الشركة من تجاوز «الكبوات» ومعاودة السير في الطريق الصحيح مع حصول الجميع على حقوقهم، وهكذا تتواصل الأعمال التجارية ويتقدم اقتصاد الدول ويستفيد المجتمع. ولنعمل على تطوير تشريعاتنا المالية لسد كل الفجوات ليكون الغطاء القانوني كاملا وساترا…
نقلا عن جريدة عمان