يعود موضوع الإسكان قوياً في الكويت بعد التطرق إليه في مؤتمر نظمه مجلس الأمة. وكان رئيس المجلس مرزوق علي الغانم اعتبر عند بداية الدورة الحالية للمجلس بأن قضية الإسكان هي الأولى لجهة الأهمية والأولوية مقارنة بالمسائل والقضايا المطروحة على جدول الأعمال.
ويعود هذا الاهتمام لأن المسألة باتت محط اهتمام عدد كبير من المواطنين بعدما تراكمت طلبات السكن لدى الهيئة العامة للإسكان وزادت عن 108 آلاف طلب.
يقوم نظام الرعاية السكنية في الكويت على منح الحق لكل كويتي بأن يتقدم بطلب للحصول على قسيمة أو أرض وقرض إسكاني من دون فوائد من الحكومة بعد توثيق أوراق زواجه.
ومنذ اعتماد هذا النظام في 1954 تمكن كويتيون كثيرون من الحصول على السكن في مختلف مناطق البلاد بشروط ميسرة، وإن كانت فترة الانتظار طويلة أحياناً.
وتقارب فترة الانتظار في الوقت الراهن من 15 إلى 20 سنة، وخلال فترة الانتظار يحصل كل رأس أسرة من الدولة على بدل إيجار شهري يساوي 150 ديناراً (533 دولاراً)، بما يمكّنه من استئجار شقة أو الإقامة مع ذويه.
وتشير المؤسسة العامة للرعاية السكنية إلى أن طلبات الإسكان ترتفع بنسبة ثمانية في المئة سنوياً، ولذلك ستبلغ هذه الطلبات نحو 175 ألف طلب سكن عام 2020. لكن ما هي الوحدات السكنية المنتظر توفيرها لطالبي السكن؟ وما هو معدل الإنجاز كل عام؟ هناك العديد من المشاريع قيد الإنجاز، ولكن واضح أنها تواجه مصاعب وتعطلات في التنفيذ. وإذا كانت الحكومة، من خلال المؤسسة العامة للرعاية السكنية، وعدت بتوفير أكثر من 12 ألف مسكن هذا العام، يشكك متخصصون كثيرون في قدرات الجهات المختصة في ذلك الإنجاز.
وطُرحت أفكار ومقترحات خلال المؤتمر الذي عقد بين 9 و10 آذار (مارس) الجاري، ومنها أفكار قد تبدو غير تقليدية وغير متوافقة مع مفاهيم دولة الرعاية التي انتهجتها الكويت منذ بداية عصر النفط، منها مسألة دور القطاع الخاص في توفير السكن للمواطنين وتوسيع توظيفاته المالية في هذا النشاط الحيوي بما يوسع من دوره الاقتصادي ويساعد في الوقت ذاته في معالجة الاختناقات التي تواجه الدولة في قطاع السكن الخاص.
وكان مجلس الأمة قيّد دور القطاع الخاص في أعمال السكن الخاص بعد إصدار قوانين تحد من تعامل الشركات الخاصة بأراضي السكن أو بناء المساكن في مناطق السكن الخاص بذريعة الحد من المضاربات في الأراضي السكنية أو احتكارها من شركات، والسيطرة على الارتفاع غير المقبول في أسعارها. لكن تلك القوانين لم تساهم في زيادة المعروض من الأراضي المخصصة للسكن أو تفرمل ارتفاع الأسعار في مختلف المناطق المخصصة لسكن المواطنين. وتراجع دور القطاع الخاص في بناء المساكن الخاصة ولم تتوافر بدائل حكومية مقبولة.
وعُرضت خلال المؤتمر بيانات حول السكن في الكويت ومقارنته بالسكن في بلدان أخرى. تزيد مساحة السكن للكويتيين عن 1300 متر مربع، في حين يسكن الأوروبيون والأميركيون وغيرهم من شعوب الأرض في مساحات تتراوح بين 150 و200 متر مربع.
ماذا يعني ذلك؟ لا شك في أن ذلك إفراز من إفرازات الاقتصاد الريعي. ويريد كويتيون كثيرون أن يوفروا سكناً لأبنائهم عندما يصلون إلى مرحلة الشباب ويتزوجون، يضاف إلى ذلك أن عدد الأبناء في المتوسط لا يقل عن أربعة، في حين لا يصل عدد الأبناء للأسرة في أوروبا أو أميركا الشمالية أو شرق آسيا إلى أكثر من اثنين. وثمة مفاهيم قيمية مختلفة حول تحمل المسؤولية لدى الأبناء في المجتمعات الصناعية الحديثة.
لذلك طُرحت في المؤتمر تساؤلات عن حاجة الكويت إلى مراجعة فلسفة الرعاية السكنية وما إذا كان هناك من ضرورة إلى اعتماد أساليب مختلفة لتوفير السكن، مثل بناء شقق ذات منافع وخدمات حديثة، بدلاً من توزيع القسائم السكنية وتحميل المواطنين بناء المساكن عليها بعد الحصول على القروض الحكومية المعفاة من الفوائد. هذا الطرح ربما يؤكد أهمية حفز القطاع الخاص والشركات المتخصصة للتكفل ببناء مجمعات سكنية بعد أن توفر الدولة الأراضي المناسبة من خلال مزادات بيع أو التعاقد بأسلوب الإيجار طويل الأجل للأراضي.
ويمكن أن تفرض الدولة من خلال هذا السيناريو على الشركات شروطاً في شأن جودة المباني وكل ما يساعد على توفير معيشة ملائمة في المناطق المقترحة.
وذكر مختصون أن الكويتيين لا يسعون إلى توفير الرعاية السكنية بمقدار ما يسعون إلى تملك السكن، بما يساعدهم على تحسين أوضاعهم وتعزيز ثرائهم، فالكثيرون في العديد من بلدان العالم لا يتملكون سكناً أو عقاراً، وتسكن غالبية البشر في بلدان عديدة في شقق أو مساكن مستأجرة، وفي مساحات صغيرة أو معقولة.
أما في الكويت، فيفترض المواطنون أن حق تملك السكن أصبح مكتسباً ولا يمكن التفريط به، بل إن بعضهم يرفض أن تخصص الدولة قسائم سكنية بمساحات تقل عن 400 متر مربع. ولكن هل فكر هؤلاء بالكلفة اللازمة لاستمرار السياسة الإسكانية الراهنة، ومدى قدرة الدولة على توفير السكن بموجب تلك السياسة في الأمد الطويل؟ وإذا كان رئيس مجلس الأمة بيَّن أهمية توضيح الحقائق والصعوبات بشأن السياسة المتبعة، هل ينتهج مجلس الوزراء ومجلس الأمة فلسفة أكثر واقعية؟
نقلا عن جريدة الحياة