لِمَ تضخمت أسعار الأراضي؟ ومتى تتراجع؟

11/03/2014 24
د. عبدالرحمن محمد السلطان

أحد أكبر الإشكالات التي تعانيها الدول الغنية بالموارد الطبيعية الناضبة هي التذبذبات الحادة التي تتعرض لها اقتصاداتها نتيجة تقلبات إيراداتها من مواردها الطبيعية.

ففي حال تحسن الإيرادات يرتفع الإنفاق الحكومي، وتنمو السيولة المحلية بمعدلات تفوق حاجة الاقتصاد؛ ما يُدخل هذه الاقتصادات في موجات تضخم وارتفاع شديد في قيم الأصول المالية والعقارية.

وفي الدول التي نجحت في تفادي ذلك اتصفت سياساتها الاقتصادية بالوعي التام بهذه الأخطار؛ بالتالي لم تستجب لضغوط زيادة الإنفاق العام، وحافظت على استقرار اقتصاداتها.

ومن ثم، فإن ارتفاع أسعار العقارات في المملكة، ومن بينها أسعار الأراضي غير المستغلة، ليس ظاهرة مستقلة عن ارتفاع سوق الأسهم ثم انهياره عام 2006؛ فجميعها نتاج نمو هائل في السيولة المحلية، لم يكن هناك سياسات اقتصادية مناسبة تحد من تأثيرها السلبي على اقتصادنا.

فحتى عام 2006 كان معظم السيولة الفائضة في الاقتصاد يتم استيعابها في السوق المالية، واجتذبتها إليه ارتفاعاته المبالغ فيها وغير المنطقية؛ وبالتالي شهد القطاع العقاري ركوداً بل حتى تراجعاً في الأسعار بسبب رغبة الكثيرين في التحول نحو الاستثمار في سوق الأسهم.

بعد انهيار سوق الأسهم وفَقْد السوق ثقة المستثمرين، ومع تزايد الثقة بأن أزمة المال العالمية لن يكون لها تأثير على اقتصادنا بفضل محافظة أسعار النفط العالمية على مستويات مرتفعة، وجدت السيولة الضخمة التي لا تزال حائرة في اقتصادنا ضالتها في المضاربات العقارية؛ فتضاعفت أسعار العقارات مرات عدة في أقل من خمسة أعوام.

أي أن السيولة المحلية التي لم يحسن إدارتها تسببت من جديد في ضرر لحق بقطاع واسع من أفراد المجتمع، أفقدهم أي أمل في امتلاك منزل، وفي وقت لم تلتئم فيه جراحهم من كارثة سوق الأسهم بعد.

والسؤال: هل هناك من أمل في تراجع أسعار الأراضي في المستقبل المنظور؟ وهنا نقول:

هناك ثلاثة عوامل يمكن أن تسهم في تحقق ذلك:

1 - أن يتراجع الإنفاق الحكومي الذي سيتبعه تراجع في السيولة المحلية؛ ما يضغط على أسعار الأراضي للانخفاض. وهذا سيناريو غير متوقع؛ كونه لن يحدث إلا إذا تراجعت إيرادات النفط بصورة تجعل من الضروري إجراء تخفيض كبير في الإنفاق العام.

2 - أن تواصل السوق المالية ارتفاعاتها الحالية؛ ما يغري مضاربي الأراضي بأن هناك مكاسب أكبر تنتظرهم في سوق الأسهم؛ فتتجه السيولة نحوه من جديد.

وهذا سيناريو غير متوقع أيضاً؛ فشبح انهيار فبراير 2006 لا يزال حاضراً بقوة؛ إذ إنه إن حدث ارتفاع جديد مبالَغ فيه في هذا السوق سيهرب الكثيرون منه عند أول بادرة تراجع؛ فينهار من جديد، ومن ثم فأي ارتفاع مبالَغ فيه في سوق الأسهم لن يعمر بما يكفي لدفع أسعار العقارات للتراجع.

بل إن إعلان طرح جزء من أسهم البنك الأهلي التجاري، وكما أشرت في مقال الأسبوع الماضي، يُظهر أن السلطة المالية نفسها قد تكون استوعبت درس انهيار سوق الأسهم، وأنها قد تكون بدأت من الآن تعد العدة لتفادي تكرار حدوثه.

3 - أن تُفرض رسوم على الأراضي غير المستغلَّة داخل النطاق العمراني للمدن، وهذا - وعلى عكس العاملَين الأولَين - مؤكد التأثير، ويمكن أن يتسبب في تراجع حاد في أسعار الأراضي إن طُبّق بحزم لا يستثني أحداً، وبنسب مناسبة، وكان التطبيق آنياً ودون تأخير أو مُهل يجري التحايل عليها أو تمديدها.

الخلاصة: أنه لا أمل مطلقاً في تراجع أسعار الأراضي دون فرض رسوم عليها.

وإن كنا نرى أن هناك مصلحة اقتصادية واجتماعية في تراجع أسعار الأراضي غير المستغلَّة فيجب ألا نتردد لحظة واحدة في فرض هذه الرسوم.

وفي المقال التالي والأخير حول هذا الموضوع نجيب عن تساؤل قد يكون في ذهن البعض، هو: هل هناك من مخاطر على اقتصادنا من تراجع حاد في أسعار العقارات أسوة بما حدث في بلدان أخرى عام 2008؟

نقلا عن جريدة الجزيرة