على الرغم من تعدد القرارات التي اتخذت لمعالجة تعثر المشاريع بمنح المتعاقد معهم تسهيلات مالية وتأشيرات إضافة لاختصار وتسريع بعض الإجراءات الحكومية لم يتم العمل على تجاوز المشكلة الرئيسة التي تتعلق بمحدودية شركات المقاولات الوطنية ومكاتب التصميم والإشراف وتشبعها من عقود الحكومة والذي أثر على مستوى التنفيذ وضعف الإشراف، ولم يتم اتخاذ أي إجراء لحصر التعاقد على بعض المشاريع الكبرى على الشركات العالمية المعروفة وتسهيل إجراءات التصنيف ومنح الترخيص لدخول تلك الشركات والمكاتب الهندسية الأجنبية، فاستمر تأخر وتعثر المشاريع وازدادت قرارات السحب ولم تجد المعالجات السابقة!
فمشكلة عدم التوازن بين حجم المشاريع الحكومية وإمكانات شركاتنا المحلية تحتاج إلى سرعة لمعالجتها وعبر الاستعانة بشركات عالمية كبرى تستثنى في منح الموافقات والتراخيص للعمل بالمملكة لتنفيذ مشاريع الحكومة الضخمة فقط، وبحيث تغادر بمعداتها وعمالتها فور تنفيذها لتلك المشروعات، أي ترخيص مؤقت مرتبط بمدة تنفيذ مشروعات حكومية متعاقد عليها وبشكل مختلف عن التراخيص التي تصدرها الهيئة العامة للاستثمار لشركات المقاولات الأجنبية للاستثمار بالمملكة بالحصول على مشاريع حكومية وخاصة والتي تتطلب شروطا خاصة وسعودة بنسب معينة، فالجهات الحكومية تعاني من تدني مستوى التصميم والإشراف وغياب إدارة المشاريع وعدم قدرة الشركات المحلية على تنفيذ عقودها خلال مددها، كما أن فشل تجربة وزارة التربية والتعليم مع الشركات الصينية الوحيدة التي منحت الاستثناء من لائحة تصنيف المقاولين وتسهيلات للعمل بالمملكة أثر في عدم الاستفادة منها، وبالتالي فان جهاتنا تواجه في حقيقة الأمر صعوبات في إسناد بعض المشاريع للشركات الأجنبية الكبرى "تنفيذ ودعم فني" بسبب دخولها في المنافسات مع شركات محلية لاتستطيع منافستها وطول ومتطلبات إجراءات التراخيص والتصنيف، وقد سبق أن ألغيت منافسات تم ترسيتها على شركات ومكاتب أجنبية كبرى لصعوبة استيفاء الترخيص والشهادات المطلوبة لإبرام العقود.
فإذا كنا قبل سنوات نطالب بالتشدد في منح التراخيص للاستثمار الأجنبي ولوزارة العمل بالحد من التأشيرات وقصرها على المجالات التي نحتاج إليها ولكيانات كبرى بدلاً من التهاون السابق بفتح الباب لدخول شركات أجنبية شكلية ومحلات صغيرة أضرت بالمستثمر الوطني، فإنه مع التقدير لجهود الإدارة الجديدة لهيئة الاستثمار بمعالجة الخلل السابق وسعيها لرفع مستوى الاستثمار الأجنبي ومبادراتها للإرتقاء بأداء الأجهزة الحكومية، نطالبها خلال هذه الطفرة بتبني برنامج متكامل بالاشتراك مع الجهات الحكومية لاستصدار قرار حكومي لتخصيص مشاريع ضخمة تجذب بقيمها العالية الشركات الأجنبية الكبرى التي تشهد مشاريعها بالخارج بإنجازاتها وليتم طرحها بمنافسات محدودة عليها وبحيث يتم فور الترسية على الشركات التي سيعهد إليها بالتنفيذ بعقود خاصة تعد لهذا الغرض سرعة استكمال إجراءات الترخيص للمتطلبات الهامة وبنسب سعودة محددة للأعمال الإدارية لعدم الإخلال بمسؤولية حسن التنفيذ، ويشمل ذلك الاستثناء من شروط التصنيف لانتفاء الغرض منه لكون دعوتها تم بعد الاقتناع بقدراتها العالمية ويطبق ذلك أيضاً على المكاتب الهندسية العالمية كترخيص مؤقت لمشاريع الحكومة فقط.
فأهمية الاستعانة بالشركات العالمية ليس فقط لتسريع تنفيذ المشاريع بل لمستوى التنفيذ الجيد للمشروع والقدرة الفنية للتصميم وجودة الإشراف والرقابة التي تتم على أعمالها من المقر الرئيس بدولها، أي تدعم تلك الشركات جهاتنا بالخبرة الفنية وتلافي الملاحظات والهدر المالي بالأخطاء وسوء التنفيذ وتكاليف الصيانة، ولدينا شواهد بالمشاريع التي نفذتها شركات أجنبية قبل أكثر من 35 عاماً ومازالت بحالة جيدة وكأنها منفذة قبل سنوات قليلة، وحالياً أمام تزايد التذمر من تأخر المشاريع ولتلافي ملاحظات الجهات الرقابية، أصبحت المشاريع تنفذ وتستلم بمستويات مخجلة تحرج المسؤولين وتتحمل الصيانة تبعات سوء التنفيذ، كما أن التنويع في جنسيات الشركات التي تنفذ وتشرف على المشروع يساعد على تقليل فرص الفساد بين الجهازين الفني المنفذ والمشرف الذي تعاني منه الجهات الحكومية!
نقلا عن جريدة الرياض