على المصارف العربية إدارة رأس المال والسيولة لديها على نحو أفضل وإلا ستعاني

02/03/2014 0
د. مازن نجار

وفقاً لدراسة حديثة أجرتها شركة بوز أند كومباني، فقد يزيد عجز رأس المال الذي قد تعاني منه المصارف العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي والمشرق العربي من قرابة 11 مليار دولار أميركي في الإجمال إلى نحو يتراوح من 12 إلى 27 مليار بحلول عام 2017، وذلك استناداً إلى السيناريوهات الاقتصادية المختلفة.

دبي، الإمارات العربية المتحدة، 2 مارس 2014: بفضل الرقابة الحكيمة التي تمارسها الجهات الرقابية، خرجت المصارف العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي والمشرق العربي من الأزمة المالية العالمية في شكل أفضل من العديد من المصارف الغربية، ولكن لا ينبغي النظر إلى مراكز رأس المال والسيولة كأمر مُسلّم به.

وقد أجرت شركة الاستشارات الإدارية بوز أند كومباني دراسة حديثة حول مستويات الرسملة والسيولة لحوالي 64 مصرفاً إقليمياً، وجاءت النتائج مُنذرة بالخطر، حيث تواجه العديد من المؤسسات المالية احتمالية وجود عجز في رأس المال والسيولة لديها في الأجل القريب، ولاسيما في ظل تطبيق تعليمات بازل 3 بشكل تدريجي ابتداءً من عام 2013 وانتهاءً بعام 2018.

وللتصرّف حيال هذه الاحتمالية، ستحتاج المصارف إلى إدارة مستويات رأس المال والسيولة لديها بشكل أكثر استباقية في القريب العاجل.

تخطي الأزمة

منذ نشوب الأزمة المالية العالمية، ساعد دعم رأس المال والسيولة الذي قدمته الجهات المُنظمة في دول مجلس التعاون الخليجي والمشرق العربي في الحفاظ على قطاع مصرفي قوي نسبياً.

وعلى صعيد المنطقة، تصرفت الحكومات بشكل سريع لضخ سيولة نقدية في النظام المصرفي من خلال وضع ودائع حكومية طويلة الأجل في المصارف.

ففي البحرين وسلطنة عمان والمملكة العربية السعودية، قامت الجهات المُنظمة أيضاً بخفض معدلات الفائدة وتعديل متطلبات الاحتياطي سعياً لتحسين مراكز السيولة.

ومن أجل مساندة مراكز رأس المال، قامت الكويت والإمارات العربية المتحدة بضخ رؤوس أموال مباشرة وقامت قطر بشراء الأصول المصرفية.

وقد أثمرت تلك التدابير عن التأثير المنشود.

التعرض للخطر

على الرغم من أن مبادرات دعم رأس المال والسيولة التي نفذتها حكومات المنطقة ساهمت في الحفاظ على المصارف الإقليمية في حالة كفاية وملاءة مالية حتى الوقت الحاضر، أظهرت دراسة بوز أند كومباني أن العديد من تلك المصارف قد تعاني عن قريب من عجز في رأس المال والسيولة.

اتفاقية بازل 3

إلى حد بعيد، لم يتم بعد الانتهاء من وضع النسب الجديدة لمتطلبات رأس المال والسيولة بمقتضى اتفاقية بازل 3، ولكن مع كون مرحلة التنفيذ باتت قاب قوسين أو أدنى، وضعت بوز أند كومباني عدة سيناريوهات استناداً إلى النسب الجديدة الأكثر احتمالية، وقد كانت النتائج جديرة بالذكر.

ووفقاً لهذا التحليل، سيؤثر الحد الأدنى الجديد لمتطلبات رأس المال الذي وضعته لجنة بازل والجهات المُنظمة المحلية تأثيراً ملحوظاً على المصارف، بما يشمل المؤسسات المالية ذات الأهمية الكبرى (SIFI).

وفي الواقع، فإن المتطلبات الجديدة أكثر صرامة، وتدعو إلى تخطيط رأس المال بشكل دقيق ومتكرر ودمجه في الاستراتيجية الشاملة للمصارف.

ويفيد الدكتور مازن نجار، وهو شريك في بوز أند كومباني، ”استناداً إلى أداء المصارف في عام 2012، قد يُخفق 15 من أصل 64 مصرفاً في الوفاء بمتطلبات رأس المال إذا بلغت نسبة 16 بالمئة، في حين قد يُخفق 29 مصرفاً في الوفاء إذا بلغت النسبة 18 بالمئة.

ولمعرفة كيف سيصير أداء المصارف في المستقبل، نفذنا أيضاً سيناريوهين اقتصاديين لعام 2017: أحدهما يفترض تعاظم النمو تماشياً مع الزيادة المتوقعة في الناتج المحلي الإجمالي، والآخر يفرض تراجع النمو. وقد كانت نتائج سيناريو التراجع مُنذرة بالخطر“.

وفي الواقع، وفي إطار سيناريو التراجع، قد يُخفق 28 مصرفاً في الوفاء بمتطلبات رأس المال إذا بلغت نسبة 16 بالمئة، بينما قد تُخفق 39 مؤسسةً ماليةً في الوفاء إذا بلغت النسبة 18 بالمئة.

وتتشابه الصورة، برغم كونها أفضل، عند النظر إلى رأس المال الأساسي. فعلى سبيل المثال، استناداً إلى أداء المصارف في عام 2012، قد يُخفق مصرفان فقط في الوفاء بالمتطلبات الجديدة لرأس المال الأساسي إذا بلغت نسبة 9.5 بالمئة، في حين قد يُخفق 11 مصرفاً إذا بلغت النسبة 12 بالمئة، و 22 مصرفاً إذا بلغت النسبة 14.5 بالمئة. وفي إطار سيناريو التراجع في عام 2017، قد يُخفق 25 مصرفاً إذا بلغت النسبة 14.5 بالمئة.

واستناداً إلى النسب المحتملة والسيناريوهات الاقتصادية المختلفة، فقد يزيد عجز رأس المال من قرابة 11 مليار دولار أميركي في الإجمالي في عام 2012 إلى نحو يتراوح من 12 إلى 27 مليار بحلول عام 2017. وبناءً على هذا، فبمجرد تطبيق هذه المتطلبات الجديدة، سيتفاقم العجز في رأس المال المتوافر للمصارف لتنفيذ خطط نموها.

نتائج السيولة

وعلى جانب السيولة، تُطبق اتفاقية بازل 3 نسبتين جديدتين وهما نسبة تغطية السيولة (LCR) ونسبة صافي التمويل المستقر (NSFR)   سعياً لتحسين قدرة القطاع المصرفي على استيعاب الصدمات الناشئة عن الضغوط المالية والاقتصادية، وبالتالي تقليل خطر امتداد الأزمة من القطاع المالي إلى الاقتصاد الحقيقي.

وتُشكل هاتين النسبتين الجديدتين عدداً من التحديات الهيكلية للمصارف العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي.

وجدير بالذكر أن شركة بوز أند كومباني قد نفذت سيناريوهين لنسبة تغطية السيولة؛ سيناريو متحفظ وآخر متشائم. وبالاستعانة بإرشادات اتفاقية بازل 3، استخدمت الشركة مستويات مختلفة لنسب الاستقطاع (haircut) وغيرها من العوامل لوضع نسب السيناريو المتحفظ والمتشائم.

ثم قامت باختبار قدرة كل مصرف على تلبية متطلبات نسبة تغطية السيولة حيث تم تطبيقها تدريجياً ابتداءً من نسبة 60 بالمئة ووصولاً إلى نسبة 80 و 100 بالمئة.

وكان للافتراضات المختلفة تأثير مهم على عدد المصارف التي يُحتمل أن تُخفق في الوفاء بالنسب الموضوعة، مما يؤكد حاجة المصارف إلى بناء تدابير أكثر فعالية لإدارة السيولة لديها.

على سبيل المثال، ووفقاً للسيناريو المتحفظ، واستناداً إلى بيانات عام 2012، أخفقت 7 مصارف من أصل 64 مصرفاً في الوفاء بنسبة تغطية 100 بالمئة؛ وهو العدد الذي تضاعف إلى 14 مصرفاً باستخدام الافتراض المتشائم.

ويضيف نجار قائلاً ”في المجمل، تتراوح قيمة الأصول السائلة المطلوبة للوفاء بنسبة تغطية 100 بالمئة من 2.7 إلى 10.5 مليار دولار على أساس السيناريو المتحفظ والمتشائم.

والأمر الذي أظهرته دراستنا لرأس المال والسيولة والتحليل اللاحق لهما أن المصارف العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي تتسم بدرجة متفاوتة من الجاهزية.

فمن بين 64 مصرفاً خضعوا للدراسة في دول مجلس التعاون الخليجي والمشرق العربي، كان لدى 16 منها مركزاً قوياً نسبياً من حيث رأس المال والسيولة، بينما كان لدى 18 منها مركزاً متوسطاً نسبياً“.

كما شمل التقرير نسب الرفع المالي، ولكن هذه لا تُمثل مشكلة لأي مصرف عامل في دول مجلس التعاون الخليجي نظراً لارتفاع مستويات الشريحة الأولى لرأس المال وانخفاض الانكشاف خارج الميزانية العمومية.

منهج أكثر استباقية

وسعياً لتجنب أوجه العجز هذه، يتعين أن تشرع المصارف العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي في إدارة نسب رأس المال والسيولة لديها بشكل أكثر استباقية وتقليل الاعتماد على تدابير رد الفعل ”المساعدة“ من الحكومات والجهات المُنظمة.

وبناءً على ما سبق، ثمة خمس أولويات استراتيجية يتعين على جميع المصارف الالتزام بها:

1.التكامل بين استراتيجيات المخاطر على مستوى المصرف وتخطيط رأس المال وإدارة التمويل: تعظيم القيمة المحققة من خلال خلق التوازن السليم بين الأهداف الاستراتيجية ونزعة المخاطر وتوافر رأس المال والتمويل، والعمل على ضمان التكامل والتوافق الداخلي بين الأطراف المعنية من خلال تصعيد المبادرات إلى مستوى مجلس الإدارة والإدارة العليا.

2.استخدام رأس المال بكفاءة وفعالية: تحديد عجز رأس المال، أي الفارق بين رأس المال المتوافر والمطلوب، وتحديد المصادر الداخلية والخارجية لمبادرات زيادة رأس المال، والعمل على توحيد هذه النتائج في خطة شاملة لرأس المال وحشد الموارد اللازمة للتنفيذ.

3.تعزيز التمويل وإدارة السيولة: تحديد عجز التمويل، أي الفارق بين التمويل المتوافر والمطلوب، وتحديد مصادر التمويل لسد هذا العجز، والعمل على توحيد هذه النتائج في خطة شاملة للتمويل، وإيجاد رؤية مركزية وموحدة ودقيقة التوقيت لمركز السيولة لدى المصرف لفهم جميع احتياجات السيولة ومصادرها لتجنب حدوث عجز غير متوقع أو أي أزمة أخرى في السيولة.

4.دمج حوكمة المخاطر في الهيكل التنظيمي والثقافة والعمليات: صياغة وتخصيص سياسات وإجراءات وعمليات معالجة المخاطر، بما يشمل تحديد عملية الائتمان الشاملة، وتوزيع أدوار ومسؤوليات واضحة، ودمج العمليات في الأدلة الإرشادية للسياسات والإجراءات.

5.الاستثمار في إعداد التقارير والبنية التحتية للنظم والبيانات وتقنية المعلومات: استحداث تقارير وجداول متابعة لدعم مجلس الإدارة والإدارة العليا في عملية صنع القرار، والعمل على خلق الشفافية بشأن الأداء والربحية المعدلة حسب المخاطر على مستوى مجموعة المصرف وشركاته التابعة من أجل تحسين القياس وزيادة المساءلة.

على الرغم من أهمية الامتثال لتعليمات بازل 3 الجديدة على المدى القصير، فليست هي السبب الوحيد لإدارة رأس المال والسيولة بشكل أكثر استباقية.

فعلى المدى الطويل، سيتعين على المصارف أيضاً القيام بتطوير شامل لرأس المال والسيولة ومواجهة المخاطر، ويرجع السبب في ذلك إلى أن المصارف الطامحة إلى النمو خارج الحدود، قد تجد متطلبات أكثر صرامة لرأس المال والسيولة في تلك الأسواق الأجنبية.

فضلاً عن ذلك، لتحسين العائد على رأس المال المرجح حسب المخاطر ومواصلة استقطاب دعم المساهمين، تحتاج المصارف إلى توظيف وتوزيع رأس المال بأكثر الطرق إنتاجية.

وفي نهاية المطاف، يلزم تبنّي إدارة أكثر استباقية وإيجاد تكامل استراتيجي لرأس المال والسيولة إذا رغبت المصارف العاملة في دول مجلس التعاون الخليجي في الوفاء بطموحات نموها والمنافسة على الساحة العالمية.