تلقيت دعوة من شركة أرامكو السعودية مؤخراً لإلقاء كلمة في عاصمة النفط، رأس تنورة الجميلة. وقد حظيتُ بترحيب شعرت من خلاله أني عضو في عائلة أرامكو السعودية، وليس مجرّد زائر.
ولم تكن هذه المرة الأولى التي ألقي بها كلمة لهذه الشركة العظيمة.
قرّرت السفر إلى المنطقة الشرقية بسيارتي، لأن السفر براً يكاد يستغرق الوقت ذاته الذي تستغرقة الرحلة جواً إلى مطار الدمام من الرياض. واعتقدت أنّني كنت قادراً على تشغيل هاتفي وإزعاج بعض الأشخاص وأنا في الطريق.
لقد دُهشت عندما دخلت الطريق السريع المتجه إلى الدمام حيث وجدت أسطولاً ضخماً من الشاحنات التي تشغل خطين، من خطوط الطريق الثلاثة في معظم الأوقات!! وفي إحدى اللحظات، تراءى لي أنني كنت أُشاهد استعراضاً كبيراً للشاحنات!! وعندما ترى الكثير من الشاحنات المحملة بالسلع، فإن هذا مؤشر على النمو والازدهار الاقتصادييْن. وهذه حقيقية في السعودية، لكنّ رؤية الكثير من الشاحنات في مساحة صغيرة جداً، أمرٌ مثير للقلق.
الامر المؤكد ان الشاحنات تسبب –إلى جانب أمور أخرى مثل الحوادث والكوارث– قدراً كبيراً من التلوث البيئي.
رغم ازدهار الاقتصاد، لم يتغير الطريق السريع إلى الدمام كثيراً خلال السنوات الاثنتي عشرة الماضية، حيث دأبتُ على استخدامه.
باستثناء بعض الجسور المخيفة من ناحية الأمن والسلامة التي تُبنى فوق طريق الرياض- الدمام السريع، لم يشهد هذا الطريق أي تغيير يذكر. في الحقيقة، لقد تدهورت نوعية هذا الطريق السريع بصورة متزايدة نتيجة لاستخدام الشاحنات له بصورة مكثفة.
في تطور لاحق أُضيفت كاميرات ساهر لمراقبة السرعة على طول هذا الطريق؛ وقد أحصيت اثنتي عشرة كاميرا وأنا في طريقي إلى الدمام، ومما يلفت الانتباه في الطريق وجود مراقبة محدودة من جانب الشرطة، باستثناء نقاط التفتيش المعتادة. كما لاحظت استمرار القيادة المتهورة وبسرعات جنونية.
وأثناء العودة إلى الرياض -وكان ذلك ليلاً– لاحظت أيضاً أن الشاحنات كانت تشغل خطين من الخطوط الثلاثة للطريق في معظم الأوقات.
كما لاحظت استمرار القيادة المتهورة وتجاوز السرعات القصوى بالرغم من وجود كاميرات ساهر لمراقبة السرعة.
وإذا أراد سائق مسرع تجاوز سيارة أخرى في الخط الثالث والوحيد المتوافر للسيارات، فإنه يُضطر إلى استخدام خط الخدمات. وبدا ذلك ضرباً من الجنون الحقيقي لأن طريق الخدمات لا يصلح لعمليات التجاوز، الأمر الذي يجعل خطر وقوع حوادث مرورية كبيراً جداً.
ومن بين كل عشر سيارات، كان هناك خمس سيارات تحمل لوحات مغطاة لتلافي كشفها بواسطة كاميرات المراقبة.
سيكون هناك دائماً سائقون مستعدون لانتهاك قوانين السير، لكن السبيل الوحيد للسيطرة عليهم يتحقق عير تعزيز دوريات المرور وزيادة غرامات المخالفات والعقوبات، مثل مصادرة السيارات ورخص القيادة فوراً.
تشهد المملكة أكثر من 300 ألف حادث مرور سنوياً. وتؤدي حوادث المرور هذه إلى أكثر من 30% من حالات إشغال أسرّة المستشفيات، طبقاً للدكتور عبدالله الربيش، مدير جامعة الدمام. وفي المعدّل، تؤدي حوادث المرور إلى وفاة 20 شخصاً يومياً في المملكة.
وتُعدّ هذه الحوادث السبب الرئيسي لوفيات الشباب الذكور الذين تتراوح أعمارهم من 16 إلى 36 عاماً.
الدراسات المرورية التي أُجريت في المملكة تشير إلى أن حجم الخسائر المادية السنوية التي تنجم عن حوادث المرور يبلغ حوالي 21 مليار ريال؛ أي نحو 4% من الدخل القومي السعودي.
وإذا استمرت الاتّجاهات الحالية، فإن المملكة قد تشهد أكثر من أربعة ملايين حادثة مرور سنوياً بحلول عام 2030. وعلى سبيل المقارنة، نشير إلى أن العقدين الماضييْن شهدا أربعة ملايين حادث مرور أدّت إلى وفاة 86 ألف شخص.
يمكن تحسين أوضاع طريق الرياض- الدمام السريع والطرق السريعة الأخرى التي تربط مناطق المملكة ببعضها عندما يتم إدخال السكك الحديدية والقطارات السريعة للركاب وقطارات اخرى للشحن في الخدمة مع رفع أسعار الديزل لجعل السكك الحديدية، الوسيلة الرئيسية الأقل كلفة لنقل السلع والبضائع.
سيؤدي تقليص أعداد الشاحنات التي تستخدم الطرق السريعة إلى تقليص حوادث المرور وإلى الحد من الانبعاثات الكربونية، بالإضافة إلى تخفيف أعباء صيانة هذه الطرق.
لذلك أقول أنقذوا الطرق السريعة قبل فوات الأوان يا وزارة النقل. اللهم اني قد بلغت، اللهم فاشهد!
نقلا عن جريدة اليوم
مقال هام يكشف عن مزيد من عورات قصور اداء الاجهزة الحكومية