اهتمت النظريات الاقتصادية الحديثة كثيرا بالدور الذي يلعبه قطاع المال (المؤسسات المالية من بنوك على مختلف أشكالها ووظائفها وتخصصاتها وأسواق مال والنقد وشركات تأمين وشركات الأموال وغيرها) في التنمية، حيث ترى أن هذا الدور إيجابي ومؤثر، بعكس النظريات الاقتصادية القديمة، التي كانت تعتبر هذا الدور دورا محايدا، وربما يكون سلبيا أيضاً في بعض الأحيان.
إن من بين أهم الوظائف التي يمكن أن يلعبها القطاع المالي، لا سيما البنوك التجارية وبنوك الاستثمار ومؤسسات الائتمان والأسواق المالية، تقديم خدمات أكثر تخصصا مصممة لتلبية احتياجات مختلف العملاء سواء من حيث الآجال أو الفائدة أو طرق التسديد أو العملة، وبالتالي فان تطلعات المدخر -الذي يريد أن يوظف أمواله دون أن يتكبد مخاطر الاستثمار- تتحقق بشكل كفء وكبير ما يشجع كافة المدخرين - وليس المستثمرين فقط - على توظيف أموالهم في مؤسسات التمويل الوسيطة التي سوف تتولى تشغيلها وتوظيفها نيابة عنهم وبالطريقة أو الشكل الذي يختارونه.
إن دور البنوك بمختلف أشكالها ووظائفها في دول مجلس التعاون الخليجي تزداد أهميته بالمقارنة مع بقية الدول النامية وذلك يعود -في اعتقادنا- لأهمية هذا الدور في حشد المدخرات والودائع من الأفراد والمؤسسات وإعادة توظيفها في مختلف المشروعات الصناعية والإنتاجية والخدمية الموجهة أساسا لخدمة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
لأنها تمثل80 – 90% من المؤسسات العاملة في الأسواق المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي.
كذلك مساعدة هذه المؤسسات في اكتشاف فرص الاستثمار والترويج لها ومن ثم ترتيب الأموال اللازمة لها ما يسهم -على مستوى الاقتصاد الكلي- في تنويع مصادر الدخل وتوفير فرص العمل للمواطنين، وبالتالي رفع كفاءة استخدام الثروات المالية المتوافرة في دول المنطقة.
وهنا تبرز أيضا أهمية الدور الذي تلعبه البنوك المركزية في العالم بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي في تحفيز وتوجيه البنوك المحلية وحثها على القيام بتقديم دعم أكبر للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال إصدار التشريعات والإرشادات الملائمة التي تمكن هذه البنوك من إضفاء مرونة أكبر على شروط وفترة التمويل لهذه المؤسسات، وهيكلة خدمات تكلفة السيولة التي يوفرها لهذه البنوك من خلال ربطها بشكل ما مع مقدار ما تقدمه من تمويل لهذه المؤسسات، علاوة على تشجيعها على إنشاء أقسام متخصصة، لتقديم المشورة المالية والإدارية لها.
لكن إذا نظرنا للدور الذي يلعبه قطاع المال إجمالا في دول مجلس التعاون الخليجي في الوقت الراهن، خاصة فيما يخص دورها في تعزيز وتمويل برامج التنمية وتحسين كفاءة استخدام الأموال بشكل عام.
وتقديم خدمات تمويلية واستثمارية أكثر تخصصا وتوجيها للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بشكل خاص، يمكننا ملاحظة ضعف هذا الدور ليس بالنظر إلى ضعف الدور الذي تلعبه البنوك التجارية في هذه الدول -وهي المكون الرئيس للقطاع المال- فحسب، بل وأيضا نظرا لغياب عدد من المؤسسات والبنوك المتخصصة والأسواق والأدوات الضرورية للقيام بذلك الدور، ما يؤدي الى وجود تلك الثغرات والضعف في الدور الذي يلعبه قطاع المال إجمالا في التنمية في دول التعاون.
ففيما يخص الجانب الأول في جوانب قصور دور قطاع المال في التنمية بدول المنطقة -وهو المتعلق بالدور الذي تلعبه البنوك المحلية في الوقت الحاضر- نلاحظ أنها تركز نشاطها بالدرجة الأولى على تقديم التسهيلات القصيرة الأجل وبفوائد تعتبر مرتفعة نسبيا.
كما أنها تركز هذه التمويلات على أصحاب الثروات والشركات الكبيرة، وتتجنب تمويل المستثمرين الصغار، كذلك تركز هذه التمويلات على القطاعات التجارية، وأيضا العقارية المضمونة بالرهن العقاري، بينما تتجنب تمويل المشاريع والصناعات الصغيرة والمتوسطة أو المبادرة الى تشجيع قيام مشاريع جديدة تقدم المساعدة لها لعمل دراسات الجدوى، وترتب التمويل اللازم لها.
ويتضح جانب رئيس من هذه التوجهات في تركيبة الائتمان المصرفي الذي تقدمه البنوك للقطاع الخاص، حيث يتبين من تركيبة الائتمان المصرفي في البحرين -على سبيل المثال- أن 45% من حجم التسهيلات الائتمانية يذهب للقروض الشخصية، و16% للتجارة و10% للإنشاءات و4% للنقل والمطاعم والاتصالات. بينما يذهب 14% فقط للصناعة حسب إحصائيات مؤسسة نقد البحرين في يونيو 2013. وعادة تكون التمويلات المقدمة للصناعات قصيرة الأجل ولا تخدم الأغراض الحقيقية أي الإنتاجية لهذه الصناعات.
أما على صعيد الجانب الآخر من جوانب القصور في دور قطاع المال في التنمية في دول مجلس التعاون -وهو الخاص بتركيبة وتنوع المؤسسات العاملة في هذا القطاع- فيلاحظ بالفعل غياب أو ضعف وظائف ودور العديد من المؤسسات المصرفية المتخصصة لا سيما تلك التي تلعبها بنوك الاستثمار في دعم الصناعات الناشئة، خاصة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
إن بنوك الاستثمار تلعب -كما هو معروف- دورا رئيسا في تلمس احتياجات المستثمرين المختلفة خاصة أصحاب رؤوس الأموال الصغيرة والمتوسطة (سواء الاحتياجات المتعلقة بالاستثمار في مشروعات حقيقية أو في موجودات مالية) ومن ثم القيام بمساعدتهم على دراسة هذه الاحتياجات والوصول الى تحديد احتياجاتهم بشكل أكثر دقة، ومن ثم تجديد عوامل النجاح والفشل وعرض الدخول معهم في تمويلها، والمساعدة في تقديم خدمات التقييم والإرشاد والتسويق في وقت لاحق.
ولقد شهدت المنطقة قيام بعض بنوك الاستثمار، إلا أنها ركزت عملياتها -للأسف- على الخارج وبالذات الأسواق الأمريكية والأوروبية.
في حين أننا بحاجة إلى قيام هذه البنوك بالتركيز على أسواقها المحلية والخليجية، وتشجيع عمليات تملك الشركات الصغيرة أو المتعثرة ومساعدتها على النهوض.
كذلك تحتاج الأسواق المحلية الخليجية إلى وجود شركات الوساطة المالية والمؤسسات المسماة Capital Venture التي تتولى رعاية وتمويل أصحاب الأفكار الاستثمارية المبدعة، وتسهم في توفير التمويلات الضرورية بهدف طرحها في وقت لاحق للجمهور في اكتتابات عامة.
نقلا عن جريدة اليوم