طلبُ العديد من الجهات الرسمية من العموم مشاركتها الرأي حول القرارات أو الإجراءات التي تنوي اتخاذها يُعدُّ تطوراً إيجابياً يسهم في تحسين جودة القرار أو الإجراء، كما أنه يحقق عنصراً مهماً في المعادلة، وهو التهيئة العامة له والاستعداد المبكر من قبل المعنيين به في حال كان يتطلب تغييراً بطبيعة الأعمال أو التعاملات بعد إنفاذه، إلا أن ما يُلاحظ على طلب الرأي من العموم هو عدم الالتفات الى الطرق العلمية المعروفة في مثل هذه الحالات، من حيث الاستفادة الفعلية من مبادرة تلك الجهات لطلب الرأي ومشاركة المجتمع بقراراتها.
فطلب الرأي تفرضه طبيعة القرار ولمن يوجه، فعندما تقوم جهة خدمية كالبلديات التي تمس خدمتها المواطن والمقيم مباشرة بكل شرائحهم وأعمارهم يصبح الأمر مقبولاً أن يطلب الرأي من العموم، فطلب تعديل بطرق داخل المدن أو إزالة أو إضافة معالم معينة تؤثر على الجميع يعد الرأي العشوائي العينة مطلوباً وتنعكس منه فوائد كبيرة إلا أن التعميم بالمشاركة على قرارات تحمل صبغة تخصصية وتمس فئات دون غيرها، فإن الطلب بالمشاركة يفترض أن يوجه للمعنيين لأنهم الأقدر على إفادة تلك الجهات بوجهات نظر يكون لها إنعكاس إيجابي على القرار ويقلل من سلبياته لأنه لا يوجد إيجابية مطلقة ومثالية، والقاعدة الإدارية تقول إن القرار الجيد هو الذي يقلل من السلبيات.
وفي القرارات الاقتصادية الطابع والمجتمعية الأثر كون الاقتصاد جزءاً من العلوم الاجتماعية، فإن الرأي يجب أن يُطلب من عينة محددة، إما منشآت معنية بالقرار، أو متخصصين قانونيين واقتصاديين، وكذلك بيوت الاستشارات والخ من الفئات المعنية، فحتى يفهم القرار أو الإجراء وهو في مرحلة المسودة وتُقرأ آثاره المستقبلية، لابد أن يكون الرأي من أطراف معنية حتى يتم تطويره أو إضفاء تعديلات عليه ذات قيمة مضافة، وتحقق مبدأ الشراكة الذي تنشده الجهة المصدرة للقرار والمشرفة على تنفيذه، كما أن طرح القرار بطريقة محددة الإجابة بخيارات كالإجابة بنعم أو لا أو ربما أو أوافق ولا أوافق تفرض جموداً بالاستفادة من الرأي، لأنها لا تسمح بأخذ الرأي المنشود الذي يفترض أن يحقق مشاركة نقاشية لفحوى القرار وتوضيح سلبياته أو ثغراته، أما إضافة خيار التعليقات على ما سبق فإنه مع تعميم المشاركة على كافة الفئات يضع شكاً كبيراً بمقدرة الجهة المصدرة للقرار بقدراتها على تفنيد التعليقات وحصرها والاستفادة منها، إذا ما كانت بالمئات أو الآلاف، بل إن ما نسمعه أحياناً ممن يوجه لهم طلب المشورة بأن الآراء لا يؤخذ بها وأن القرار يصدر بصيغته التي طرح بها كمسودة وكأن الأمر برمته ما هو إلا رفع العتب عن الجهة المعنية بالقرار إذا قيل لهم إنكم فاجأتمونا به.
وللوصول إلى صيغة مقنعة بطلب المشاركة بالرأي يجب أن تحدد الفئات المعنية بالقرار إذا كان الرأي المطلوب متخصصاً من حيث تأثيره على أطراف معينة أو يتطلب تخصصاً مهنياً وفنياً واضحاً، أما طريقة طلب الرأي فإنها تفترض نقاشاً مباشراً بين الجهة ومن تطلب رأيهم باستثناء كما ذكرت بالبداية القرارات ذات الصبغة العامة بتأثيراتها على الجميع، كما يتطلب تطوير المشاركة بالرأي تدخل جهة رقابية لتقييم الحالات التي يطلب بها الرأي على قرار معين، لمعرفة الفرق بين ما نُشر كمسودة وبين ما تم إقراره في نهاية المطاف، والقيام بمسح للآراء التي قُدِّمت وهل أُخذ بها أو تم الالتفات لها، وهل كان يجب أن يطلب الرأي من فئات محددة أو عشوائية، فعندما يطلب رأي لقرار متخصص ويكون الطلب معمماً على الجميع ستكون الآراء أيضاً عشوائية ويغلب عليها السطحية والتباين الكبير مما يضعف أهمية المشاركة المطلوبة، ولا يسمح بأي تعديل على مسودة القرار ليصدر في نهاية المطاف كما نشر بصيغته الأولى.
المشاركة المجتمعية بالقرارات ذات الصبغة الخدمية والاقتصادية والاجتماعية لها أهمية كبيرة، وتطوير الاستفادة منها يتطلب تصنيفاً وتحديداً علمياً لمن توجه الدعوة لأخذ رأيهم، حتى تعم الفائدة وتقل السلبيات في أي قرار وتكون انعكاساته إيجابية بنسبة كبيرة، أما أن تتحول طلبات المشورة والرأي لدعاية للقرار والجهة المسئولة عنه فإن ذلك لن يحقق إلا مزيداً من السلبيات عند تطبيقه، كما سيعزز من العزوف بالمشاركة على أي قرار أو إجراء سيطلب الرأي فيه مستقبلاً.
نقلا عن جريدة الجزيرة
ابق على اطلاع بآخر المستجدات.. تابعنا على تويتر
تابِع