خلال الأيام السابقة سمعت عبارة «نهاية العصر الحجري لم تعن نهاية الحجر»، هل هذا يعني أن نهاية عصر النفط لا تعني بالضرورة نضوب النفط؟ لا أدري، لكني أشارك وزير البترول سعادته بزيادة إنتاج أمريكا من النفط الصخري، ليس لسبب إلا ليجدوا غيرنا وغير أوبك للوم كلما ارتفعت أسعار النفط لديهم بسبب ضرائب يفرضها سياسيوهم على تفاوت حكوماتهم الاتحادية وفي الولايات.
والسبب الثاني والأهم، أن ذلك قد يوجد لدينا جميعاً سبباً إضافياً وحافزاً متحرقاً للتفكير والانجاز ليس «خارج الصندوق» بل «خارج النفط»، إن جاز التعبير. وبطبيعة الحال، هناك من سيقول إننا نفكر «خارج الصندوق» منذ عقود.
هذه حقيقة، أما التفكير «خارج النفط» فهذه ظاهرة جديدة نسبياً؛ ففعلنا الجاد «خارج النفط» بدأ -فيما يبدو- عند انطلاق الهيئة الملكية للجبيل وينبع وتأسيس سابك وتأسيس صندوق التنمية الصناعية وتوفير اللقيم بسعر جذاب.
كانت تلك مبادرة حكومية رائدة، وقد نفذت بحماس، وما نراه اليوم من مرتكزات صناعية هو امتداد لذلك الجهد الذي جعل للمملكة وصناعتها من البتروكيماويات السلعية والمتفرعة عنها موقعاً عالمياً.
تلك كانت مرحلة، وأجمل ما فيها أننا نفذناها وحققنا فيها نجاحاً وكانت القيمة المضافة السعودية فيها عالية بمشاركة كثيفة من الموارد البشرية السعودية.
أما المرحلة الثانية من التفكير «خارج النفط» فتجسدت عندما بدأت أرامكو السعودية تفكر بأنها أكثر من مجرد شركة لاستكشاف واستخراج وتصدير النفط وتكريره إلى مشتقات أساسية، وأن عليها ان «تنوع» أنشطتها.
ولا أتحدث هنا عن الأنشطة اللوجستية والخدمية المساندة بل عن الأنشطة الارتكازية التي تولد إيرادات وتمثل محوراً من رؤية ومهمة واستراتيجية الشركة.
ولا بد من الاقرار بأن أرامكو قطعت أشواطاً في هذا السياق خلال فترة زمنية وجيزة، أظهرت فيها قدرتها على إعادة هيكلة ذاتها، وإعادة صياغة استراتيجيها، واستقطاب شركاء عالميين عمالقة، والتخطيط والتنفيذ لمشاريع كبيرة دون إهدار للوقت. لن أتحدث مطولاً لأبين هذه النقطة، فلن أنصفها في هذا الحيز.
وقد تكفي الاشارة لـ «صدارة»، الشراكة بين أرامكو وداو كيميكال، حيث يتكون المجمع الصناعي للشركة، الذي يقام في جبيل-2 من 26 مصنعاً للكيماويات المتخصصة، وهي مواد عالية القيمة والربحية، وسينجز المجمع بحلول 2015، وبالتأكيد هناك جهود أخرى كتأسيس أرامكو لشركة مع توتال للمشتقات الصديقة للبيئة، وقد أنجزت مصفاتها في العام 2013، وشركة أخرى لالتقاط الطاقة والتقنية والمساهمة فيها أو الاستحواذ عليها بما يعزز وضع أرامكو التنافسي عالمياً.
وهكذا، فتوجه أرامكو لتنويع أنشطتها هو مفصل مهم ضمن جهد المملكة للتنويع الاقتصادي؛ فالخبرة التي اختزنتها أرامكو على مدى ثمانية عقود في مجالات عدة تجعلها مؤهلة للقيام بدور ريادي لتحول الاقتصاد السعودي لعصر ما بعد النفط وإن لم ينضب النفط.
وكلنا يدرك أن ذلك التحول لا بد أن يكون متدرجاً وحاذقاً ومنافساً وعالمي التوجه.
قد لا أكون مبالغاً في القول إن التحول الاقتصادي سيتحقق بواقعية وعمق وبكفاءة أعلى عندما تكون القاطرة الاقتصادية السعودية الأهم (أرامكو) العنصر الرئيس ضمن جهد التنويع الصناعي، لايجاد فرص العمل القَيّم لشبابنا وفتياتنا وفرص الاستثمار للرياديين بيننا.
نقلا عن جريدة اليوم
مقال هام في وقت كثر فيه القيل والقال ارامكو هي قلبنا النابض