نشر صندوق النقد الدولي مؤخراً دراسة حول النمو الاقتصادي والإنفاق العام في السعودية.
وأكّدت الدراسة أنّ الاستثمارات المحلية الخاصة والعامة، والإنفاق على الرعاية الصحية في المملكة أنشطة تحفّز النمو في المدى البعيد، بينما قد يرفع الإنفاق على قطاع الإسكان والانفتاح التجاري معدّلات الإنتاج في المدى القريب.
صحيحٌ أن العديد من الاقتصادات المجاورة انفتحت على الاقتصادات العالمية، لكن هذه التغييرات دفعت الكثيرين إلى الاعتقاد في أن الانفتاح واستقرار الاقتصاد الكلي سيكونان كافييْن.
غير أن قراءتي للأدلة على مدى سنوات تؤكّد أن انفتاح أي اقتصاد، وتحفيز الدينامية والنمو يتطلبان أكثر من هذا بكثير.
وهنا، لا تتعلق المسألة فقط بالانفتاح والإنفاق على الرعاية الصحية -اللذين قد يؤدّيان إلى تحقيق النمو في المدى القريب- بل إن المسألة تتطلّب أيضاً سياسات فعالة تشجّع تنويع الاقتصاد، وتحقيق التحوّل الهيكلي من الأنشطة ذات الإنتاجية المنخفضة، إلى الأنشطة ذات إنتاجية مرتفعة يمكن تسويقها في الداخل أو تصديرها خارجيا.
وتمثل الصين مثالاً جيداً على انتهاك جميع قواعد صندوق النقد الدولي في الماضي، مثل رفضها -حتى فترة قريبة- الاعتراف بالملكية الخاصّة والتدخل يميناً ويساراً لإيجاد صناعات جديدة، ودعم الشركات المملوكة للدولة التي تتكبد خسائر والتلاعب بقيمة عملتها.
وينطبق هذا أيضاً على اليابان وكوريا الجنوبية وتايوان إبان قمة ازدهارهما، خصوصاً فيما يتعلق بالتدخّل الحكومي الواسع النطاق الذي ميّز تجربتهما آنذاك.
أود التأكيد على ضرورة توجيه الموارد الاقتصادية للقطاعات التي تسجّل صعوداً تلقائياً من خلال إعادة هيكلة الاقتصاد السعودي وتحويله إلى اقتصاد قائم على أساس النمو القطاعي، لأن الحلول القائمة، والمنهج السياسي الاقتصادي المعيب، والأنظمة لا تسمح بإدارة تحديات الاقتصاد المحلي بالفعالية المطلوبة.
ينبغي أن تكون هناك رؤية واضحة وهدف محدد يتعين على النظام بكامله -من أعلى الهرم إلى أسفله- التعاون من أجل تحقيقه.
مع أن عامل الوقت بالغ الأهمية، إلا أنه لن يكون دائما في مصلحة السعودية وتلافي الأزمات الحالية والمستقبلية غير مضمون، لذا يجب وضع أهداف محددة ومنطقية لجميع قطاعات الاقتصاد، وتعزيز القطاعات ذات القيم المضافة، ومعدلات النمو المرتفع.
ينبغي لصنّاع القرار أن يفكروا بشكل استراتيجي، وأن يرصدوا أيضا القطاعات التي ستولد وظائف للمواطنين أكثر، مع تحسين مخرجات التعليم بشكل مواز. تعد السعودية اقتصاداً يعتمد على الإنفاق الحكومي المكثف بلا كفاءة في كثير من الأحيان.
كما أن الاعتماد على قطاع الهيدروكربونات في السعودية بات أكبر من أي وقت مضى.
إن المنهج الاقتصادي الحالي جداً مخجل، والسنياريو المعتاد لم يعد فعّالاً.
في العادة يتم اتخاذ القرارات والإصلاحات الاقتصادية الصعبة عندما تنشب الأزمات.
ومع أن السعودية تمكنت -والحمد لله- من تلافي الأزمات، إلا أنه ينبغي لها أن تكون قادرة أيضا على تغيير الاتجاهات عند اللزوم، ودون تغيير مؤسساتي، ستصبح المشاكل غير قابلة للحل.
نقلا عن جريدة اليوم