حتى نصبح أثرياء

19/01/2014 1
د. إحسان بوحليقة

ترتيب اقتصادنا، من حيث قيمة الناتج المحلي الإجمالي، يأتي في المرتبة 19 بين اقتصادات العالم، وفي المرتبة الثانية في الشرق الأوسط بعد تركيا، فهل نحن أثرياء؟

في هذا اليوم، يعقد في الرياض مؤتمر التنافسية العالمية، وهو حدث عالمي بالفعل، يحدثنا كيف يصبح الأفراد أثرياء، وكيف تصبح الدول ثرية. وليس في الأمر سر؛ فالأمر (لمن لا يستطيع الحضور ولم يستطع في السنوات السابقة) يكمن في عبارة "القدرة المنافسة".

الأسواق التي تنعدم فيها المنافسة الحرة، لن تجد كفاءة أو إبداعاً، ولن تجد الكثير من الزبائن الراضين، في تلك الأسواق الكلمة الأولى والأخيرة لمن يبيع وليس للمشتري؛ يحدد السعر وما يعرض ومتى يعرض.

وهكذا، هم –أي التجار- يصبحون أثرياء، بإعتبار أنهم عملياً يمارسون إما احتكاراً مطلقاً أو احتكار القلة. وحتى يصبح الجميع ثرياً؛ فلا بد من منافسة مفتوحة، بأقل ضوابط ممكنة، فالحلال بيّن والحرام بيّن.

الكثير من الدول أدركت الأهمية الأساسية للمنافسة، فسنت القوانين وشكلت الهيئات والمجالس الفاعلة؛ رغبة في كسر الاحتكار بأنواعه من جهة، وجعل السوق مكاناً متاحاً للجميع لمن يريد أن يغامر بدخوله.

والمبرر، تحقيق آلية أعلى كفاءة في توزيع الثروة، فلا مفر من توظيف آلة المنافسة والسعي -من قبل السلطات حثيثاً-؛ لجعل السوق مضيافة مفتوحة، وليس مغلقة تكتنفها العوائق الظاهرة والباطنة.

د. مايكل بورتر، أستاذ في كلية إدارة الأعمال في هارفاد، كتب الكتاب –كما يقال- عن "القدرة التنافسية" إجمالاً، بعدها ألف كتاباً في "القدرة التنافسية للدول"، الكتاب ليس جديداً، فقد أصبح من"الكلاسيكيات"، وأثر كثيراً إبان حقبة الرئيس الأمريكي ريجان.

وقد ساهم البرفسور بورتر في مؤتمر التنافسية العالمي في الرياض، فكان لحضوره تأثير إيجابي كبير، أتمنى أن يستفاد منه بصورة أوسع وأعمق.

أعود للتساؤل الذي بدأت به، لأقول إن الثراء ومستوى الدخل لا يمكن أن تحسب بقسمة الناتج المحلي الإجمالي على عدد السكان، فتلك تسمى "نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي".

وبالنسبة للعديد من الدول النفطية، فإن جزءاً مهماً من ناتجها المحلي الإجمالي مصدره النفط بصورة مباشرة أو غير مباشرة.

ولا جدل بأن "نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي" هو مؤشر، لكنه ليس كافياً لقياس الثروة، إذ لا بد أن ترتبط بالانتاج وبكفاءة التوزيع، وعلينا أن نكون دقيقين في توصيف الأشياء؛ فالنفط "يكتشف ويستخرج ويسوق" لكنه لا "يُنتج".

الاقتصادات التي تولد قيمة اقتصادية، مصدرها الإبداع والاختراع وتعظيم القيمة، عبر الإنتاج الزراعي والصناعي والخدمي بكفاءة، هي دول غنية بإعتبار أن ثراءها مستديم ومتعاظم يرتكز إلى توليد ثروة جديدة من المصادر الطبيعية والعبقرية الانسانية، أما مجرد بيع المصادر الطبيعية فيقوم أساساً على تحويل أصول ثابتة إلى أصول سائلة (كاش).

 اقتصادنا، وفقاً لتقرير التنافسية العالمية، اقتصاد قيد التحول من الاعتماد على ريع المصادر الطبيعية إلى الاعتماد على كفاءة الإنتاج. والتحول سبيلنا للانفكاك من شرنقة النفط، ولا تحول بدون كفاءة، ولا كفاءة بلا منافسة.

نقلا عن جريدة اليوم