أعتقد أن تميز الفرد والمجتمع والدولة يتمركز حول "الرقم" وكيفية توظيفه والاستفادة منه بطريقة إيجابية تجعل عملية الحصول عليه أكثر مهنية ومصداقية كما تجعل من كيفية تحليله والتعاطي معه عملية رابحة أيضا لا تتحكم فيها العواطف بقدر ما يوجه بوصلتها ذلك ال"رقم" كما أظن أنه كلما تعامل الفرد والمجتمع والدولة مع الرقم بالشكل الصحيح كلما حقق تقدما وتميزا والعكس صحيح.
وبقدر ما يبتهج المتابع لخطوات التنمية الوطنية التي يحققها الوطن العزيز لأرضه وناسه عاماً بعد آخر إلا أنه يحس بنوع من "الحنق والضيق" عند النظر إلى عالم الأرقام التي "قد" لا تعطى حقها من العناية والدراسة والاستفادة.
ولعل فيما أشارت إليه هيئة الفساد "نزاهة" من أن 50% من المشاريع التي تم أو يتم تنفيذها في الوطن تشمل جانباً من جوانب الفساد (206 عقود مشروعات من أصل 400عقد لمشروعات وطنية تنموية) ما يسبب "الحنق" ويبعث على الضيق فإذا كانت مشاريعنا الوطنية التنموية التي يعلن عنها وهذه الأرقام "الفلكية" لميزانيات الوطن "يخالجها" الفساد من قريب أو بعيد في نسبة قد تصل إلى نصف حجم تلك المشروعات فتلك "أم المصائب" ومحق بركة الرزق التي تعلن عنها ميزانيات الوطن كل عام وهي ميزانيات ضخمة بل "أسطورية" بحمد الله وتشكل أرقامها المعلنة استثناء لمن يتعامل مع الرقم ويعرف كيف يعمل على تحليله وتحقيق المكاسب الوطنية من خلاله (أدعو الله أن لا تكون هذه النسبة دقيقة)، وعندما تعلن وزارة العمل عن أن حجم العمالة الوافدة بالمملكة وصل إلى 8.2 ملايين عامل فإننا "ندرك" من خلال هذا الرقم أننا في مأزق لابد من مراجعة أسبابه والبحث في كيفية معالجته.. فهل أولئك العاملون يمثلون رقما مؤقتا يعمل في مجال الوظائف الدنيا فقط أم أن منهم من يمارس أدوارا تختلف كثيرا عما قد نفكر فيه وربما أن بعضهم ليس عاملا بل رب عمل والعاملون لديه هم السعوديون الذين "لا يعني بعضهم الشأن الوطني عندما يتعلق الأمر بجيوبهم!).
ولعل ما يحفزني على التساؤل عن مجالات عمل ذلك الرقم "المهول" من العمالة في وطني الذي أعلنت عنه وزارة العمل هو ما أشارت إليه وسائل الإعلام من أن الجهات القضائية تحاكم مقيماً "ميكانيكيا" عثر في حسابه على 16 مليون ريال وادعى أن راتبه وعمولاته تتجاوز المليون ريال في الشهر! ولهذا الرقم دلالته في "نهب" خيرات الوطن فإن كان صحيحاً ما ذكره ذلك المقيم الميكانيكي فأين خريجو مراكز التدريب المهني والكليات التقنية من شباب الوطن حيث لا أظن عاقلاً منهم سيترك "مليون ريال شهريا" ليبحث عن وظيفة حكومية أو خاصة لن تمنحه هذا الرقم الشهري عن كامل فترة عمله حتى تقاعده!! وإن لم يكن ما ذكره المقيم صحيحاً "وهذا أقرب إلى النفس" فإن مثل هذه السلوكيات تدعونا (وكنت قد كتبت عن هذا الموضوع أكثر من مرة) إلى ضبط مسألة التحويلات سواء من الأجانب أو حتى من السعوديين الذين يمكن استخدام بعضهم من قبل عمالة وافدة لتنفيذ مثل تلك الأغراض فتحويلات الأجانب "غير منطقية وغير مقبولة مطلقا" لكننا لم نلمس تنظيماً وتقنيناً محكماً يقضي على هذه الظاهرة المستنزفة لاقتصادنا الوطني وهو ما تشير إليه الأرقام أيضا حيث نمت تحويلات العمالة الوافدة بنسبة بلغت 17% عن عام 2012 محققة ارتفاعا وصل إلى 133 مليار ريال في 11 شهرا فقط!
أظن أننا بحاجة ماسة وسريعة إلى مراجعة "أرقامنا" في مسألة التعاطي مع قضايانا الوطنية.. ودمتم
نقلا عن جريدة الرياض