فيما عدا العنوان فليس للمقال صلة بالزراعة، لكن له كل صلة بكلمة "غابات"، وتحديداً أشجار القطاع الخاص لدينا، وبصورة أدق الشركات العائلية التي تبدأ بذرة أو فسيلة، ثم تتفرع أغصانها، لتصبح شجرة وارفة، ثم تؤخذ منها غصينات، لتبدأ بدورها شجيرات، ثم أشجاراً وارفة ويؤخذ منها غصينات وهكذا.
في المحصلة تصبح البذرة أشجاراً، ولا بد من القول: إن للشركات العائلية جهودا لا تنكر في نمو الاقتصاد السعودي وتنوعه، والسؤال: هل قطاعنا الخاص أشجار منفصلة أم غابات متصلة؟ بتعبير آخر: هل قطاعنا الخاص عبارة عن مجموعة من الشركات العائلية؟ وبتعبير أدق: هل تسيطر على قطاعنا الخاص الشركات العائلية؟
والمقصود بالسيطرة هنا أن لها الكفة الراجحة عندما نتحدث عن القطاع الخاص؛ فهي القطاع الخاص والقطاع الخاص هي.
وليس من شك في أن الشركات العائلية ذات أثر بارز في اقتصادنا السعودي، ولا بد من القول: إن مساهمة الكثير من الشركات العائلية إيجابي، لكن لا بد من التوقف أمام نقطة، وهي أن العديد من هذه الشركات يتمتع بسطوة اقتصادية نتيجة لامتلاكها حصة مؤثرة في أسواق العديد من السلع والخدمات، ما يؤثر على تنافسية تلك الأسواق.
إذ ندرك جميعاً أن هناك قوى محددة تؤثر على القدرة التنافسية للنشطاء في أي سوق، فإن كان هناك من له قدرة تنافسية هائلة مقارنة ببقية المنافسين، فسيوظف تلك القدرة، ليتمدد أو ليحجم منافسيه.
وعندما نعاين المشهد بتمعن نجد أن هناك من هذه الشركات العائلية من تمتلك ضمن غاباتها حصصاً مؤثرة ليس في سلعة واحدة أو اثنتين، بل لمجموعة عريضة وعميقة من سلع وخدمات مترابطة تتواصل عبر سلسلتي التزويد والقيمة.
النقطة هنا أن وجود مراكز قوى في السوق يعني صعوبة دخول منافسين جدد، وهذا ينعكس مباشرة وبصورة سلبية على المنشآت الجديدة والناشئة والمجهرية والصغيرة والمتوسطة، ويجعل التوجهات لدفع السعوديين والسعوديات ليصبحوا رياديين وليوظفوا أنفسهم لأنفسهم أمراً من السهل أن يقال شفوياً، لكنه من الصعب أن يتحقق عملياً.
وبالتأكيد، ليس من الانصاف تحميل الشركات العائلية وزر تعثر المنشآت الناشئة والصغيرة، لكن من المبرر الحديث عن أن وجود مؤسسات وشركات للقطاع الخاص لها حصة مؤثرة من أي سوق يفسد المشهد التنافسي بأن يحد من دخول منافسين جدد، وحتى إن نجحوا في الدخول فسيكون استمرارهم صعباً، وإن استمروا فسيكونوا محاصرين بحصة سوقية غاية في الصغرّ.
ما العمل؟ أن يشمر مجلس المنافسة عن سواعده ويطلق مجموعة من الدراسات الميدانية التي تتبع الأوضاع التنافسية في أسواق السلع والخدمات عندنا، وأن تنشر نتائج تلك الدراسات من جهة، وأن تسعى لإحداث تغييرات بما يجعل الأسواق أكثر قبولاً للمنافسة، وستنتج عن ذلك أمور اقتصادنا ومجتمعنا في أمس الحاجة لها؛ منها تعزيز القدرة التنافسية للمنافسين جميعاً بحيث لا تقع السوق تحت سطوة احتكارية مؤسسة أو احتكارية القلة، باعتبار أن المنافسة بدورها تحقق مصلحة المستهلك بالحصول على قيمة أفضل نتيجة لتهافت المتنافسين عليه، وليس تهافت الزبائن على قلة من المتنافسين، كما هو الوضع الآن في مجالات عديدة.
نقلا عن جريدة اليوم