كائنات نفطية

12/01/2014 1
د. إحسان بوحليقة

هل بلدنا هبة النفط، على وزن مصر هبة النيل؟ بلدنا ليست هبة النفط، مهما جادل المجادلون من أصحاب الاعتقادات النفطية المبالغ فيها. كنا قبل النفط، وسنبقى بعده بإرادة الله سبحانه.

السؤال: هل نعود لزراعة النخيل ورعي الأغنام والابل وصيد اللؤلؤ بعد النفط؟ أم نكون قد طورنا ونوعنا وحدثنا اقتصادنا ليحل محل النفط الناضب؟ هناك من يقول: قد لا تمتلكون وقتاً لكي ينضب النفط فقد تكتشف العقول في الغرب والشرق بديلاً، وتتلاشى بذلك قيمة النفط الاقتصادية والاستراتيجية، ويضيف آخرون: بل إن الولايات المتحدة وشركاتها ستعرف مطولاً معزوفة "النفط الضخري" حتى يصبح هو الخيار، وتعيد بناء منظومتها.

للسيطرة (أو حماية وتأمين) الممرات النفطية، اخذاً بالاعتبار أنها (أي الولايات المتحدة) في طريقها لتصبح أكبر منتج للنفط! وليس محل جدل أن الحديث السابق عن أن تكلفة الاستخراج متدنية لدينا أصبحت تاريخية باعتبار أن الانفاق ارتفع بحيث لن يكون بوسع دول الخليج تمويل نفقاتها إلا بنفط يباع بأكثر من 50-60 دولاراً للبرميل، وهذا بحد ذاته يجعل عدداً من الخيارات البديلة للنفط اقتصادية بما في ذلك النفط الضخري، الذي كان موجوداً طوال الوقت لكن تكلفة استخراجه العالية أبعدته طوال الوقت، أما الآن فمع التقدم التقني والارتفاع المطرد لأسعار النفط أصبح النفط الصخري خياراً معقولاً، فإذا اضفنا لذلك تحيز أمريكا الشمالية له، تتضح الصورة بأن الشق الجيوسياسي سيزحف زحفاً باتجاه النفط الصخري.

نعم، قد يستغرق ذلك بعض الوقت، لكن المدى الزمني لن يتجاوز سنوات قليلة.

أعود لأقول إن هناك من ينظر لتنويع اقتصادنا غير النفطي باعتبار أولوية سابعة، أي من الأمور التي نتحدث عنها ولا ننجز فيها وفقاً لخطة صارمة لا مجال فيها للتراخي.

وحتى لا تختلط الأمور فلا بد من التذكير أن عمر استراتيجية التنويع الاقتصادي لدينا يزيد على الأربعة عقود، لكن الانجاز لم يكن على قدر التطلعات، ورغم عدم الرضا فإننا حتى الآن لم نعلن "حالة التأهب" لتحقيق التنويع الاقتصادي؛ فعلى الرغم من أن هناك خططا واستراتيجيات نوعية منفصلة لتحقيق ذلك –ولو جزئياً- إلا أن تنفيذها لم يلتزم بجداول زمنية؛ خذ مثلاً استراتيجية التصنيع، على سبيل المثال، ومثال آخر يتعلق بدعم وتمويل المنشآت الناشئة والصغيرة، ومثال ثالث مرتبط بالاقتصاد المعرفي.

أقرّ بأن هناك جهودا، أما تنفيذ خطة زمنية لقطاعات وأنشطة اقتصادية محددة مرتبطة بتحقيق أهداف تقاس فهذا أمر ما زلنا نفتقده.

وأقرّ كذلك بأن القطاع الذي يخضع لتخطيط صارم ومتقدم هو قطاع النفط، فلدى أرامكو منظومة تخطيط متكاملة وأهداف قصيرة ومتوسطة وطويلة المدى بتفاصيل وتفاصيل التفاصيل، وتحدث هذه الخطط وفقاً للمتغيرات. أما القطاع غير النفطي فخططه –عملياً- استرشادية.

وحتى يصبح اقتصادنا متنوعاً بالفعل علينا أن نضع ذلك كأولوية أولى ونستثمر الجهد والوقت والمال لتحقيق ذلك ليس بعجلة بل دون إضاعة الوقت أو ادخار أي جهد، والخطوة العملية الأولى أن نجعل منهجية تخطيطنا الاقتصادي غير نفطية، فحالياً نبدأ بإيرادات النفط وننتهي بها!.

نقلا عن جريدة اليوم