لا أدري إلى متى سيستمر مسلسل «تقاذف الجمر» بين وزارة المالية من جهة وشركات ومؤسسات المقاولات الوطنية من جهة أخرى، فبين حين وآخر تنشب معارك كلامية يحمل فيها كل طرف الآخر مسئولية تعثر التنمية وفشل بعض المشاريع الحكومية.
وها هي فاتحة السنة الميلادية الجديدة تشهد فصلًا جديدًا من فصول السجال الذي يبقى «الوطن والمواطن» المتضرر الأكبر بل والوحيد من استمراره، فعوضًا عن جلسات الحوار وطرح الفرص والتهديدات يبرع المسئولون على الضفتين في رشق بعضهم بعضًا بالاتهامات من منبر لآخر في مختلف وسائل الإعلام.
وقد يقول قائل: إن الحلول قد عدمت بل والمساعي تعطلت وأوصدت أبواب الحوار، وهذا الحال الذي لا أراه ولا غيري أمرًا مقبولًا ولا مسموحًا به في بلد يدعو قائد مسيرته إلى العمل دون كلل أو ملل وبإخلاص وتفان للاستفادة القصوى من هذه الحقبة الذهبية لأسعار النفط في بناء مجتمع وخدمات توازي ما يتم صرفه من موازنات تريليونية.
حقيقة الحال أن كلا الطرفين «المالية و»المقاول»، وبالإضافة إلى «أطراف أخرى» شريكان رئيسيان في ما آل إليه واقع التنمية من حال متردٍ، ولن أسوق أدلة كثر تشير إلى مسئولية وزارة المالية في هذا التعثر التاريخي، وهي التي ما زالت تصر على تطبيق مبدأ ترسية المشاريع والمشتريات الحكومية على العروض الأقل سعرًا رغم كل ما قد تسوقه من تبريرات لتسويق «أحقية هذا الشرط»، ولي شخصيًا تجربة مع أحد معارفي من صغار المقاولين الذي حاز على عقد لتنفيذ «500 وحدة سكنية» من إحدى الوزارات ثم استغاث بي لإيجاد مقاول كبير لشراء هذا العقد..!
ولن أتحدث عن نظام المشتريات الذي تباشر به (المالية) ترسية عقود الدولة منذ عشرات السنين، وسنة الحياة تقتضي التغيير والتطوير والمرونة، ثم إن الجهود التي بذلت في سبيل تطبيق الصيغة العالمية للعقد الاسترشادي في مشاريع المقاولات «فيديك» لم تؤت ثمارها بعد رغم اختزال عدد لا بأس من بنوده حتى الآن.
وكل هذا لن يعفي المقاولين المحليين من مسؤولياتهم التاريخية وضعف أدائهم في كثير من الأحيان، وتسبب البعض منهم في فظائع تنموية ما زلنا نشهدها حتى الآن، لكني شخصيًا أرى أن قوة ومتانة أي قطاع مقاولات مستمدة من حرص ودعم الدولة له واستنهاضها لهممه.
نقلا عن جريدة اليوم
المالية تتسبب في انهيار الشركات والمؤسسات الوطنية بسبب غرورها