الصناديق السيادية وأولويات الاستثمار

09/01/2014 3
وليد عرب هاشم

الصناديق السيادية تهدف لاستثمار مبالغ من الأموال، مثلها مثل أي أموال أخرى يتم استثمارها من قبل الأفراد أو البنوك أو أي مؤسسات مالية، ولكنها تسمى بصناديق (سيادية) لأنها مملوكة لدول، ولأي دولة سيادة.

وبالتالي، فإن هذه الصناديق أو الأموال المستثمرة تسمى بسيادية، ولكن خلاف هذا الفرق في الاسم، فإن هذه الصناديق تتلقى أموالا تم ادخارها ومن ثم توجهها إلى استثمارات متعددة، وذلك بهدف الحصول على أعلى عوائد ممكنة، وفي ظل مخاطر محدودة أو أقل مخاطر ممكنة.

وهناك كثير من الدول التي أسست مثل هذه الصناديق، ومن أشهرها النرويج والكويت والصين، ومؤخرا قطر وأبو ظبي، ولكل دولة أهدافها في تأسيس مثل هذه الصناديق، ولكن بصفة عامة فإن الأهداف الرأسية لا تختلف عن بعضها كثيرا، بل إنها لا تختلف كثيرا عن أهداف الاستثمارات الفردية، فأي منا لو لديه فائض من المال سوف يفكر في استثماره وعدم صرفه الآن، فلا أحد يضمن المستقبل، ومن الحكمة أن يكون هناك مبلغ من المال كاحتياطي عند الحاجة ــ لا سمح الله.

وممكن الاعتماد عليه، وكذلك بالنسبة للصناديق السيادية هي مبالغ من المال فاضت عن حاجتنا الآن، وبالتالي تم ادخارها واستثمارها لتكون مصدر دخل للمستقبل أو للأجيال القادمة.

وبالإضافة لذلك، فإن حسن استثمار هذه الأموال وإدارتها بشكل جيد قد يعطينا مردودا جيدا من الآن، وهكذا تصبح إيرادات مساندة للميزانية الحكومية وتساعد في تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد على مصدر واحد مثل إيرادات النفط في الاقتصاد السعودي.

وبما أن الاقتصاد السعودي يمر ــ والحمد لله ــ بطفرة مالية، ومنذ ولاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله ــ حفظه الله ــ قبل حوالى عشر سنوات، تحولت المديونية التي كانت على الدولة وبمقدار ثمانمئة مليار ريال إلى فوائض تمتلكها الدولة تقدر بأكثر من ألفين وخمسمائة مليار ريال، والحمد لله، فإنه من الطبيعي أن تكون هناك دعوات لتأسيس صندوق سيادي وطني، وأن يتم استثمار ولو جزء من الفوائض المالية الهائلة في استثمارات مختلفة حول العالم، بدلا من الاحتفاظ بها في أصول شبه سائلة، وتكاد لا تدر علينا أي دخل يذكر، صحيح أن هذه وسيلة آمنة للغاية للحفاظ على ثرواتنا، ولكنها قد تكون وسيلة متحفظة زيادة عن اللزوم، وبالتالي قد يكون من الأفضل استثمار ولو جزء من هذه الأموال لزيادة إيرادات هذه الثروة ولتنويع مصادر دخلنا، بدلا من الاعتماد شبه الكلي على النفط، وللحفاظ على جزء من فوائضنا المالية للأجيال القادمة، وذلك تحسبا للظروف، فكما قلنا لا أحد يضمن المستقبل.

بالتالي، هناك مبررات منطقية ووجيهة لتأسيس صندوق سياسي وطني، ومن المهم أن يكون لدينا مثل هذا الصندوق، والذي على أقل تقدير قد يساعدنا في المستقبل لو احتجنا له ــ لا سمح الله ــ ولكن تأسيس مثل هذا الصندوق للاستثمار في الخارج لا يعني أبدا أن ننسى أن الاستثمار بالداخل هو الأهم، ولا بد أن تكون له الأولوية.

فالاقتصاد الذي ينعم بإيرادات ضخمة وجمع فوائض مالية بآلاف المليارات مثل اقتصادنا ــ والحمد لله ــ يجب أن تكون أولويته الأولى أن لا يظل لديه أي فقير أو محتاج، كما يجب أن تكون من أولوياته أن يرتفع دخل كل مواطن بحيث يعم الثراء، وأن يتم توفير التعليم والتدريب والرعاية الصحية، ولذلك نجد أن أكثر من ثلث الميزانية الحكومية موجه إلى التعليم والصحة، كما تم تخصيص مئات المليارات لتوفير السكن المناسب للمواطنين، فرعاية الجيل الحالي من المواطنين هو أهم من محاولة تأمين أوضاع الأجيال القادمة من خلال تأسيس صناديق سيادية للاستثمارات في الخارج، بل إن أفضل طريقة ــ بإذن الله ــ لتأمين ورعاية أوضاع الأجيال القادمة تكمن في رعاية ودعم الأجيال الحالية والاستثمار فيها، كما أن أعلى مردود لاستثماراتنا هو من داخل وطننا وليس من خارجه، بالتالي لا مانع أبدا من تأسيس صناديق سيادية للاستثمارات الخارجية، بل من المهم تأسيسها، ولكن هذا لا يتعارض أبدا مع أهمية وأولية الاستثمار بالداخل وعلى الأجيال الحالية، وعندما قامت دولة كالنرويج بتأسيس صندوق سيادي للاستثمار ولمصلحة الأجيال القادمة، فإنها فعلت ذلك بعدما وصلت إلى أعلى مستويات الدخول لأجيالها الحالية، وقدمت لهم أعلى مستويات الرعاية الصحية والاجتماعية، فالتفكير في الأجيال القادمة هو تصرف حكيم وهدف نبيل، لأن الأجيال القادمة هي المستقبل ــ بإذن الله، ولكن الأجيال الحالية هي الحاضر والواقع الذي ينبني عليه المستقبل، وبالتالي هي الأساس.

نقلا عن جريدة عكاظ