يكثر السؤال والتساؤلات في بداية كل عام عن أداء البورصات مقارنة بالعام الذي سبقه أو الأعوام السابقة له، حيث تتعدد وجهات النظر كما تتضارب أيضاً فيما يتعلق بالتوقعات المستقبلية لآراء المهتمين في أسواق المال، ومنها سوق الكويت للأوراق المالية، ولا شك في أن التضارب والتشتت في الآراء يعتبر أمراً بديهياً للعامة، إلا أن التناقض في وجهات النظر يكون حاضراً أيضاً وربما بقوة ما بين المتخصصين في تحليل أسواق المال تحديداً، وكذلك بما يرتبط بالتوقعات الاقتصادية الأخرى بشكل عام، والتي تتأثر جميعها بمؤثرات غير اقتصادية بكل تأكيد، أي بالبيئة المحيطة بالبورصة والاقتصاد، ومنها المعطيات السياسية والأمنية والاجتماعية والنفسية .... إلخ، ناهيك عن المتغيرات الخارجية التي تكاد لا تعد ولا تحصى، والتي باتت لاعباً رئيسياً في مجريات أسواق المال المحلية والإقليمية والعالمية، وذلك بشكل متصاعد وحاد خلال العقد الماضي، والتي ربما تعتبر ضريبة جسيمة للعولمة وثورة التكنولوجيا والاتصالات.
ونظراً لحالة عدم التأكد والحيرة فيما يتعلق بالوضع المتوقع مستقبلاً، فإن الآراء المهنية المرتبطة بتوقع أداء سوق الكويت للأوراق المالية تسير على المنوال نفسه من التناقض وتباين وجهات النظر، والتي يمكن تقسيمها إلى رأيين أساسيين؛ الأول متفائل بأداء العام 2014، والآخر غير متفائل.
ولكلا الرأيين المتناقضين والمنطقيين في آنٍ واحد عدة مبررات، وذلك فيما يتعلق بتوقع أداء العام 2014، حيث يستند كل رأي على معطيات ومؤشرات يمكن وصفها بالموضوعية في تبرير وجهة نظره، وفيما يلي موقف الرأيين المتضادين والأسس والمعطيات التي يستند عليها كل منهما في تبرير وجهة نظره:
أولاً: الرأي المتفائل : ويستند على عدة إيجابيات منها:
1.إجراء الشركات لتسويات كثيرة وحسم ملفات عديدة خلال العام 2013 وما قبله أيضاً، سواءً كانت ودية أو قضائية، ناهيك عن التخارجات القياسية، والتي أحدثت انفراجات ملموسة وإيجابية ومؤثرة في العديد من الشركات المدرجة، والتي من مظاهرها تفوّق عمليات الخروج من قوائم ملاّك الشركات المدرجة على عمليات الدخول في تلك القوائم، وكذلك زيادة حالات خفض الملكيات المعلنة عن حالات الرفع، والذي يرجع في معظمها لإبرام تسويات وتنفيذ تخارجات خففت من الحالات المأزومة التي كانت تعيشها كثير من الشركات المدرجة.
2.تحقيق البورصة الكويتية لمكاسب لأول مرة في العام الماضي 2013 منذ العام 2008، وذلك بمعدل 8% للوزني و27% للسعري، و6% لكويت 15، والذي يعتبر مؤشراً قوياً لبدء التعافي من التبعات السلبية للأزمة الاقتصادية التي نشبت في العام 2008، وقد أحدث ذلك النمو موجةً من التفاؤل عمت شريحة عريضة من المتداولين، والتي انعكست إيجاباً على معدل التداول اليومي الذي حقق ارتفاعاً ملحوظاً العام الماضي 2013 بلغ 60% ليصل إلى 46.3 مليون دك مقابل 29.0 مليون دك للعام الذي سبقه 2012.
3.تحسّن النتائج المجمعة للشركات خلال ثلاثة أرباع العام 2013 بمعدل نمو بلغ 13% عن الفترة المناظرة للعام السابق 2012، وذلك بتسجيلها لصافي أرباح بلغ 1.3 مليار دك هي الأعلى منذ العام 2007.
4.تحسّن النتائج على مستوى الشركات كلا على حدة خلال ثلاثة أرباع العام 2013 بالمقارنة مع الفترة المناظرة من العام 2012، حيث ارتفعت نتائج 112 شركة بما يعادل 61% من الإجمالي، وذلك في مقابل تراجع نتائج 71 شركة بما يساوي 39% من الإجمالي، كما بلغ عدد الشركات الرابحة 147شركة مقابل 36 شركة خاسرة؛ أي 80% للرابحة مقابل 20% للخاسرة، وذلك لفترة ثلاثة أرباع العام 2013، وتلك الأرقام تعتبر قياسية من حيث المعطيات الإيجابية منذ العام 2008.
5.تحسّن الملاءة المالية لشريحة مهمة من الشركات: حيث انخفضت قروض الشركات المدرجة – عدا البنوك – بمقدار 357 مليون د.ك خلال الفترة ما بين 30/9/2012 إلى 30/9/2013، وذلك بعد استبعاد الزيادة في قروض " زين " البالغة 96 مليون د.ك، والذي يعتبر تحسناً جيداً في الملاءة المالية والمراكز المالية للشركات المدرجة بشكل عام.
6.الأسعار الرخيصة لشريحة عريضة من الأسهم: وهي التي تؤكدها عدة مؤشرات في مقدمتها انخفاض القيمة السوقية لعدد 117 سهماً عن قيمتها الدفترية، وذلك بناءً على القيمة الدفترية في 30/9/2013 مع قيمتها السوقية في 31/12/2013، ويشكل ذلك العدد 56% من الأسهم المدرجة والبالغ عددها نحو 210 أسهم، وحتى بافتراض التحفظ على نصف ذلك العدد من الأسهم لأسباب مختلفة يبقى هناك أكثر من 50 سهماً يجدر الاهتمام بها، والتي ربما تستحق أسعاراً أعلى من أسعارها السائدة حالياً، والذي يعتبر محفزاً لأداء إيجابي للبورصة خلال العام 2014، ناهيك عن المؤشرات المشجعة الأخرى مثل مضاعف سعر السوق إلى ربحية السهم ( P/E ) لشريحة من الأسهم الواعدة، بالإضافة إلى نسبة العائد النقدي على الأسهم، والذي يتوقع أن يكون مغرياً لبعض الأسهم، خاصة أننا على أعتاب إعلانات الأرباح والتوزيعات.
7.المستوى الجيد للمالية العامة: يُتوقع أن يستقر سعر النفط قرب مستوياته الحالية البالغة أكثر من 100 دولار أمريكي للبرميل خلال العام الحالي 2014، والذي من شأنه استمرار الفوائض المالية الكبيرة للدولة التي تعتمد على النفط في تمويل ميزانيتها، ولا يقلل من تلك الفوائض بشكل ملموس ارتفاع الطاقة الإنتاجية للنفط في الولايات المتحدة وزيادة الاعتماد على الطاقة المستخرجة من النفط الصخري، وكذلك عودة إيران كلاعب رئيسي في سوق النفط بعد تخفيف العقوبات الدولية المفروضة عليها، والتي قد تؤدي إلى انخفاض أسعار النفط إلى نحو 90 دولاراً أمريكياً للبرميل لفترات معينة خلال العام 2014.
8.الاستقرار السياسي والاجتماعي النسبي: لا شك في أن هدوء الحراك السياسي واستتباب الوضع الداخلي -ولو مرحلياً -يعد من محفزات الأداء الإيجابي للبورصة.
9.الأداء الإيجابي للبورصات الإقليمية والعالمية: حيث سجلت تلك البورصات أداءً مميزاً خلال العام الماضي 2013 نظراً للمؤشرات الإيجابية ولو المحدودة للاقتصاد العالمي، ووفقاً لبعض آراء الاقتصاديين العالميين سيستمر ذلك الزخم الإيجابي خلال 2014، والذي بدأت بوادره في الأيام الأولى من العام المذكور، مما قد ينعكس بشكل أو بآخر على البورصة الكويتية.
ثانياً: الرأي غير المتفائل : ويستند على عدة سلبيات منها:
1.توقع تعثر المزيد من الشركات المدرجة حالياً ، والذي يشكل عامل مخاطرة مرتفعاً فيما يتعلق بالاستثمار والتداول في البورصة الكويتية.
2.توقع مزيد من المشاكل الجسيمة في عدد من الشركات: حيث يتوقع البعض ظهور مشاكل جسيمة سواء على مستوى الشركات أو على مستوى الكتل أو المجاميع الاستثمارية المؤثرة في البورصة، والتي ستلقي بظلالها على أداء البورصة خلال العام 2014.
3.خروج بعض كبار المستثمرين وتخفيض ملكيات آخرين: رغم الأخذ بالاعتبار النظرة الإيجابية لتفوّق عمليات خروج الملاّك من قوائم كبار المساهمين على عمليات الدخول فيها، وأيضا لزيادة حركات خفض الملكيات الرئيسية على رفعها خلال العام الماضي 2013 كما ورد أعلاه، إلا أن تلك النظرة الإيجابية قد تنطبق على القليل من تلك الحالات، حيث تعتبر معظم حالات الخروج والخفض سلبية، وربما تشير إلى حالة اليأس التي أصابت شريحة عريضة من كبار المستثمرين في البورصة الكويتية، والتي دفعتهم لأخذ قرارات استراتيجية بالخروج منها أو خفض انكشافهم عليها على الأقل، وهو المحتمل استمراره خلال العام 2014، والذي سينعكس سلباً على أداء البورصة بشكل عام.
4.انخفاض أداء الشركات القيادية: حيث يشعر البعض بالقلق تجاه أداء الشركات القيادية في البورصة الكويتية، مثل البنوك وشركات الاتصالات، فالسمة البارزة لأداء معظمها هو عدم نمو الأرباح أو تراجعها، وبالتالي، لن يكون هناك نمو مؤسسي وموثوق في البورصة دون تحسن أداء تلك الشركات، والذي هو مستبعد خلال العام 2014، وذلك نظراً لعدم توقع متغيرات إيجابية ملموسة تنهض بنتائجها في المستقبل المنظور.
5.قرارات هيئة أسواق المال: رغم أهمية قرارات هيئة أسواق المال فيما يتعلق بحوكمة الشركات والشفافية وغيرها من الضوابط المرتبطة بالشركات المدرجة، إلا أن البعض يرى أن السوق غير مهيأ حالياً وحتى في المستقبل القريب لتطبيق تلك القرارات بشكل عام، وبالتالي، احتمال إعلان نوايا الانسحاب الاختياري من الإدراج أو العزوف عن التداول، والذي يؤثر سلباً في أجواء التداول في سوق الكويت للأوراق المالية، ناهيك عن احتمال تشكّل تكتل مناهض لهيئة أسواق المال من بعض الشركات المدرجة وشريحة من كبار مساهميها، وكذلك من مجموعة من المضاربين المؤثرين وغيرهم، والذي من شأنه إحداث بلبلة في الأسعار والتداولات، والتي قد ينعكس أثرها السلبي على أداء البورصة ولو مؤقتا.
6.جاذبية البورصات الإقليمية: حققت معظم البورصات الخليجية أداءً ملفتاً خلال عام 2013 تراوح ما بين 30 إلى ما هو أكثر من 100%، والمتوقع استمرار ذلك الأداء ولو بدرجة أقل لبعضها خلال العام 2014، والذي من شأنه تحوّل المزيد من المتداولين في البورصة الكويتية إلى تلك البورصات.
7.الظروف العامة المحلية: لا شك في أن استمرار الظروف السياسية غير المستقرة لنحو عقد من الزمان في الكويت، وتفشي الفساد في مفاصل الدولة بقطاعيها العام والخاص ، وأيضاً كثرة حالات التأزم والاحتقان والشائعات المرتبطة بها، ناهيك عن التأخر في خطة التنمية وتنفيذ المشاريع الحيوية والكبيرة وغيرها من الظروف تلقي بظلالها السلبي على أداء سوق الكويت للأوراق المالية.
8.المتغيرات الجيوسياسية في المنطقة: لا يخفى على أحد حالة عدم الاستقرار الحالية في منطقة الشرق الأوسط، وكذلك احتمال تأثر أسواق المال بتداعياتها السلبية، وذلك كما حدث خلال أغسطس 2013 عند التهديد بالتدخل العسكري الدولي في سوريا، والذي أطاح – في وقتها - بأسواق المال الإقليمية والعالمية أيضاً، وهو ما يجب أخذه بالحسبان لاحتمال تكراره خلال العام الحالي 2014.
9.سقف الدين الأمريكي والمشاكل الاقتصادية العالمية الأخرى: من المهم في هذا الموضوع التطرق لأزمة رفع سقف الدين الأمريكي خلال العام الماضي 2013، والتي تم حلها مؤقتاً لغاية 7 فبراير 2014، وقد أحدثت تلك الأزمة إرباكاً لمعظم البورصات في العالم، وذلك لحساسية تلك الأزمة وضخامتها وأثرها السلبي العابر للقارات، ناهيك عن أنها غير قابلة للحل الكامل، حيث تعتبر مثل كرة الثلج المتضخمة والمتدحرجة بسرعة وبقوة من الأعلى إلى الأسفل، فالمعالجة الحالية والممكنة للدين الأمريكي تتمثل في تأجيل المشكلة وليس حلها، مما يعتبر خطراً داهماً ومحدقاً بالاقتصاد العالمي وقابلاً للانفجار في أي لحظة، وذلك حتى بافتراض التوصل إلى اتفاق في التاريخ المذكور، والذي يعتبر من المخاطر المباشرة للبورصات في كل أنحاء العالم ومنها بورصة الكويت.
وفي الختام، ربما كان من الصدفة أن يتم التعادل العددي ما بين الإيجابيات والسلبيات ( 9 X 9 ) والمتعلقة بتوقعات أداء سوق الكويت للأوراق المالية خلال العام الحالي 2014، ومن الصواب القول: إن العددين المذكورين ليسا على سبيل الحصر، بل ما حضر ببالنا عند إعداد هذا التقرير؛ أي أن الإيجابيات والسلبيات التي تم التعرض إليها أعلاه هي على سبيل المثال لا الحصر، كما أنها ليست ذات حجية متساوية في القوة، حيث يستطيع المتخصص والمتابع المهني إضافة إيجابيات وسلبيات أخرى أو حذف بعض ما ذكرناه منها لعدم أهميته وفقاً لوجهة نظره، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، قد يرى نفر من المهنيين المتخصصين تضعيف أهمية بعض البنود وكذلك تقوية بعضها الآخر، وبالتالي، يتم الوصول إلى خلاصة حاسمة إيجابية أو سلبية تجاه البورصة الكويتية خلال العام الحالي 2014.